انوار الفقاهة-ج13-ص15
الســـادس: يكفي في قصد الفعل شعور النفس به بأدنى تفطن والتفات والقصد إليه في خزانة الخيال وإرادة النفس لوقوعه وكذا يكفي في القصد القربة كونها هي الداعي والباعث لصدور الفعل من المختار بحيث يقال أن هذا الفعل قد وقع لأجل هذا دون ذلك وإن المحرك على صدور هذا الفعل هي هذه الغاية دون تلك فليست النية في العبادات إلا كسائر أحوالها في باقي الأفعال من قيام لغرض دون آخر وشخص دون آخر ومن قعود كذلك ومن شيء ومن ضرب وغيرها فكما أن البواعث والغايات المحرزة من لنفس مقومة لصدور تلك الأفعال ومشخصة لكل نوع من آخر من تلك الأحوال فكذلك داعي القربة مقوم النفس العمل وكاف في تعينه للعبودية فعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى الأخطار وهو تصور الفعل فعلاَ وتصور القربة والوجه بناء على وجوبه وإخطارهما عند العمل واستحضار معانيهما في الذهن بتوسط تصور ألفاظهما أو بدون ذلك وإن كان هو أحوط ما لم يؤد إلى الوسواس والدليل على عدم وجوب هذا الإخطار خلو الأخبار وكلام الأخيار عنه ولزوم العسر والحرج به في مثل تسبيح الزهراء (() والأوراد وكثير من الأدعية وقراءة القرآن وجريان السيرة على خلافه في كثير من العبادات على أن جميع ما جاء في النية لا يدل عليه وإنما يدل على المعنى الأول فإيجاب شيء زائد على ذلك مفتقر إلى دليل وليس فليس وعلى القول بالإخطار فلا بد من الاقتصار على إيجابه في أول العمل وكفاية الداعي والباعث في أثنائه للزوم العسر والحرج لو التزمنا بوجوب استمراره ويصير معنى وجوب الاستدامة الحكمية في النية هو بقاء الداعي فيها وإن زال الإخطار وظاهر الأصحاب أن الاستدامة الحكمية هي أن لا ينوي ما يخالفها ولا ينوي قطعها ولا ينساها نسياناً كلياً بحيث لا يبقى لها أثر في القوة المدركة.
السـابع: يجب مقارنة النية لأول إجزاء العمل ثم استمرار حكمها بعد ذلك لأنه لو لم تقارن أول أجزائه بل تقدمت أو تأخرت لم يستند العمل إليها فيقع لا غياً ولا فرق في إجزاء العمل بين واجبه وبين مندوبه فمثل غسل الكفين أو المضمضة أو الاستنشاق لو قارنتها نية الوضوء كان مجزياً عن تجديدها عند غسل الوجه ولكن الاحتياط التجديد عند غسله وعلى القول بأن النية هي الداعي تقل ثمرة هذا البحث من أصله لأن الداعي مستمر غالباً.