انوار الفقاهة-ج12-ص20
ثانيهــــــا: يطهر القليل النجس إذا لم يكن متغيراً باتصاله بالكثير سواء كان متساوي السطوح مع الكثير أم كان أعلى وسواء امتزج به أو لم يمتزج وسواء القى عليه الكثير إلقاء من فوق أو نَزَّ عليه من تحت وسواء كان الإلقاء دفعة أو تدريجا كل ذلك لعموم أدلة طهورية الماء وأصالة عدم اشتراط شيء آخر من إلقاء أو امتزاج أو دفعة لسريان الطهارة من كل جزء إلى الجزء الآخر من الماء ولصيرورتهما ماء واحدا عرفا فلا يكون بعضه طاهر وبعضه نجس كما هي القاعدة المأخوذة من الأستقراد، نعم لو كان الكثير أسفل تسنيمياً أو تسريحاً لم يؤثر تطهيراً في الأعلى لضعف السافل عن رفع نجاسة الأعلى كما يضعف السافل عن سريان النجاسة منه إلى الأعلى في جميع المائعات لأن السراية على خلاف الأصل لأصالة الطهارة، نعم في المتساوي المائع تتحقق السراية لصدق أنه ماء ولاقته النجاسة مع قابلية كل جزء منه لتنجيس الجزء الآخر مع قابليته للانفعال دفعة بخلاف السافل مع العالي وبخلاف الجامد من المائعات كالشحم والعسل في الشتاء فإنه وإن أمكن أن يقال أن كل جزء منه لاقا جزء آخر رطبا فينجّسه لكنه مشكوك بقابليته للانفعال فيه لمنع كلّية هذه المقدمة في مفروض المسألة لأن عمدة دليلها الإجماع وهو غير متحقق في مفروض المقام وعلى كل حال فمشترط الدفعة أو مشترط الإلقاء من فوق أو مشترط الامتزاج أو مشترط الفوقية أو المساواة لإخراج النابع من تحت كما يظهر من عباراتهم لا نقول به ولا يطهر القليل باتصاله بالقليل وإن على الطاهر عليه الانفعال كلما يصل إليه من الماء القليل ولأن المتيقّن من تطهير الماء هو اتصال ما لا ينفعل به من مادة وكر وشبههما كما تشير إليه الأخبار وأما القليل فلما كان شأن التطهّرية نفوذ ماء الغسالة من المُتطهّر به وكان ذلك غير ممكن في الماء فلم يكن القليل حينئذ قابلا لتطهير الماء بل كان الغالب عليه النجاسة لأنفعاله وتنجسه فلا يحصل التطهير به حتى على القول بطهارة الماء القليل فإن القائل بطهارته لا يلتزم بلا يديه تطهيره للماء النجّس نعم يلتزم بوجود ماء بعضه طاهر وبعضه نجس وأوجب بعض إلقاء الكر دفعة لتطهير الماء لأنه المتيقن ولرواية مرسلة ونسب لمشهور المتأخّرين وهما ضعيفان لا يصلحان سندا لمطلوبهم سواء فسرت الدفعة بوقوع الماء على الماء دفعة واحدة عرفية بمعنى أنه لا ينزل تدريجا أو فُسّرت بوقوع الماء على الماء متواصلا حتى يتم كرا بمعنى أنه لا ينقطع في الأثناء بحيث يكون وقوعه دفعات فإنا لا نوجبها بكلا المعنيين لكفاية الاتصال بالكر عندنا نعم لو ألقى شيء من الكر وعند نزول ذلك الشيء انقطع اتصاله بالكر قبل اتصاله بالماء النجس لم يكن مفيدا للتطهير وكان بخسا عند وقوعه على الماء النجس لأنه ماء قليل لاقى نجساً ويظهر من بعضهم وجوب الإلقاء من فوق فلا يكفي المساواة بين المائين وهو أبعد من سابقه ويظهر من آخرين وجوب المساواة أو الفوقية فلا يكفي النبع من تحت ولا يكفي الرشح وإن كان دفعة وهو بعيد أيضا وذهب جمع إلى اشتراط الامتزاج بين الماء الطاهر والماء النجس لأنهما مع عدمه ماءان فيلحق كل منهما حكمه استصحابا ولا شأن التطهر في الماء نفوذه فيما يطهره وليس هنا إلا الامتزاج ولأن سراية الطهارة من جزء إلى آخر خلاف الأصل كسراية النجاسة إلا أنه قام الدليل على أن النجاسة متى حلت في ماء قليل أو مضاف نجست جميعه ولم يعلم أن ذلك من جهة السراية أو من جهة التعبُّد ولم يقم إجماع على أن طهارة البعض تسري إلى طهارة المجموع ولأنه مع عدم الامتزاج يجوز اتصاف ماء واحد بأن بعضه نجس وبعضه طاهر ولا دليل على منع ذلك ولعدم عموم أدلة طهورية الماء لجميع كيفيات التطهير وأحواله حتى أنه ينقطع استصحاب النجاسة كما أنه لا عموم فيه لتطهير جميع أفراد المتنجّسات وكونه في سياق الامتنان إنما يقضي بعموم الماء لجميع أفراده من حيث قابليته للتطهر ولا يقضي بعموم أفراد المتطهر به وكيفيات التطهير ولم يقم دليل خاص على أن الماء يطهر الماء فكان بمقتضى القاعدة بقاؤه على النجاسة كغيره من المائعات ولا يطهر إلا بالأستهلاك ولكنا خرجنا عن القاعدة مع الامتزاج للإجماع فبدونه يبقى على القاعدة ولأنه ورد أن الماء يُطَهّر ولا يطهر خرج من ذلك مع الامتزاج وبقي غيره تحت الرواية وهذا المذهب قوي في النظر إلاّ أنه لا يخلو عن نظر لأن الناظر في أخبار الحمام الدالة على أن ماءَه كالجاري يطهر بعضه بعضا وأنه لا ينجّسه شيء لأن له مادة وغير ذلك يجد أن للماء خصوصية من دون باقي المائعات في التطهير وأنه يكفي فيه مجرّد الإِتصال وأنه لا يفتقر إلى نزوله من فوق وإلى وقوع الكر على الماء النجس دفعة وأن اتصال أجزاء الماء بعضها ببعض قاض بالتطهير دفعة واحدة كما تقضي بالتنجيس بل هو امتزاج بالحقيقة لامتزاج كل جزء بالجزء المتصل به وهكذا وأن اتصاف ماء واحد بان بعضه طاهر وبعضه نجس في محل واحد غير ممكن لأنه أما أن يغلب الطاهر فيطهر بعضه بعضا أو يغلب النجس فينجس الطّاهر كالماء القليل ولا قائل بالثاني في الكثير وان اتصال القليل بالكثير يصيرهما ماء واحداً عرفاً فيدخل تحت قوله ((): (إذا كان الماء قدر كر لم يحمل خبثا ولم ينجسه شيء ولا يكون ماء واحداً بعضه طاهر وبعضه نجس) كما يشهد به الاستقراء لموارد الأخبار وكلام الأخبار وعلى ما ذكرنا فيطهر الماء القليل باتصاله بالكثير وإن لم يغلب طعم الكثير عليه ولم تخلطه أجزاء منه بنية فيه ولا يتفاوت بين وضعة في الكثير كقارورة فيها ماء حلو توضع في كيّ مالح بحيث لم يتغير طعم الحلو وبين وضع الكُر عليه ولا يشترط زيادة المطهر على الكُر على جميع الأقوال المتقدمة بناء على اعتصام السافل بالعالي وكونهما ماءً واحداً عرفاً، نعم على القول بعدم الإعتصام يلزم اشتراط الزيادة على الكر بقدر ما يجري منه إلى الماء القليل إذا كان أسفل منه أو كانا في محَلين متغايرين قلنا لعدم اعتصام ما بينهما بالطاهر لتعدد المحل ولكنا لا نقول بشيء من ذلك لقوله ((): (إذا بلغ الماء قدر كُر لم يحمل خبثاً).
ثالثهــــــا: لا يطهر القليل بإتمامه كُرّاً من الماء طاهر أو ماء نجس للاستصحاب والشك في كون بلوغ الكريّة من المطهّرات وللأخبار الناهية عن غسالة ماء الحمام ولأن كل قليل ينجس عند ملاقاة النجس فيحتاج للتطهير فلا يؤثر فيه إتمامه كرا وذهب جمع إلى طهارته بإتمامه كرا من ماء طاهر وآخرون إلى طهارته بإتمامه مطلقاً ونقل عليه الإجماع واستند لروايته لم يحمل خبثاً وإلى أن الماء قد قوي بعد الاتّصاف بالكُريّة سقط فيرفع عن نفسه ذلك كما انه يدفعه وإلاّ إنه لو لم يحكم بطهارة ماءٍ وجد فيه نجاسة لاحتمال يسقيها على الكُرّية وفيه أن الإجماع ممنوع الأنفراد بفعله ومصيرّ الأكثر إلى خلافه والرواية ظاهرة في الرفع بعد طهارته لا في الدفع بعد نجاسته كما يقال (فلان لا يحمل الضيّم) على أنها مرسلة ونقل الإجماع على مضمونها لم يثبت كما ذكرنا إن لم يثبت العدم وقياس الرفع على الدفع قياس مع الفارق لنقصان قوة الدفع عن الرفع بعد حصوله قطعاً والحكم بطهارة الماء الواقع فيه نجاسة عند الشك في وقوعها إنما كان لأصالة الطهارة لا لطهارة الماء المجتمع من النجس.
رابعهــــــا: لا يطهر الكُرّ إذا كان نجساً إلا باتصاله بجار أو ماء مطر أو كر آخر سواء وقع عليه أو وقع هو عليه أو اتصلا فقط وسواء كان الوقوع دفعة أو تدريجا وسواء امتزج به أو لم يمتزج لظاهر أخبار الحمام الدالة على أن المادة رافعة لنجاسة الماء الذي ما تحتها ودافعة لها مطلقا ولصيرورة المائين ماء واحداً والمفهوم من الاستقراء عدم اتصاف ماء واحد بنجاسة بعض وطهارة آخر، نعم لو كان الكر الطاهر اسفل من الكر النجس بتسنيم وكان الكر النجس جاريا عليه لم يؤثر فيه تطهير العدم قوته وقاهريته وشرط المطهر القوة والقاهرية كما هو المتيقن من الأخبار وكلام الأصحاب وأن سمّي الماءان ماءً واحداً كما أن الكُرّ المجتمع من الماء الأعلى والأسفل