انوار الفقاهة-ج12-ص18
يُنجّس ما دون الكر بملاقاة النجاسة للإجماع المنقول والشهرة المحصّلة بل ربما يدعى الإجماع المحصل وخصوص الإجماع المنقول على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني والإجماع على غسل الإناء من الولوغ ثلاثا فأنهما بإطلاقهما شاملان لما إذا كان المائع ماء أو غيره والإجماع المنقول على نجاسة ما يغتسل به الجنب إذا كانت على بدنه نجاسة والإجماع المنقول على سبب الطهورية عن الماء المزيل للنجاسة وللأخبار المتواترة معنى في الدلالة على التّنجيس لدلالة كل جزء منها على معنى يلزمه التنجيس لما نفهم شرعا من لزوم وصف النجاسة لتلك الأثار كالنهي عن الوضوء فيه والأمر بغسل الإناء من سُؤر الكلب في رواية والأمر بغسله منه في اخرى والأمر بغسله لسبع فيما شرب منه الخنزير في ثالثة ونهيه عن الوضوء من ماء قطرت فيه قطرة من رعاف في رابعة وتقيده بما إذا كانت اليد نظيفه للأخذ من الماء القليل في الساقية في خامسة ونقى الباس عن إدخال اليدين في الإناء قبل غسلها إذا لم يصب يده شيء في سادسه والأمر يكفي الإناء إذا أدخلت فيه اليد القذرة في سابعه وتشبيه ماء الحمام بالجاري فيفهم منه أن غير الجاري ينفعل في ثامنه وتعليله بأن له مادة فيفهم أن منه ماء لا مادة له ينفعل بالملاقاة في تاسعه والنهي عن سؤر اليهودي والنصراني في عاشره ونقي الياس عن إدخال اليد في الإناء إذا لم يصبها مني في حادية عشر والنهي عن الوضوء في ماء قد شرب منه طرفي منقاره دم في ثانية عشر والأمر بإعادة الوضوء وغسل الثياب لمن تَوضّأ بماء قد وقعت فيه فارة فماتت في ثالثة عشر والأمر باهراق الماء لمن أدخل يده في إناء وفيها منيّ أو بول في رابعة عشر والأمر بالأهراق لمن أدخل اصبعه في ركوة وكانت قذرة في خامسة عشر والأمر بأهراق الماء في ولوغ الكلب في سادسة عشر والأمر بصبه في سابعة عشر والحكم بتنجيس الحب من النبيذ في ثامنة عشر والأمر بأهراق الحب إذا قطرت فيه قطرة من مسكر في تاسعة عشر وبيان عدم صلوحية ماء الحب للشرب والوضوء إذا وقع فيه واقة بول في العشرين والأمر بإهراق الماء والتيمُّم عند سقوط قذر في إحدى الإناءين في الواحد والعشرين وغير ذلك من الأخبار المتضمنة لحكم التنجيس بالملازمة الشرعية ولا قائل بالفرق بين أنواع النجاسات لأن العاصم للماء القليل عاصم له بجميع أنواعه من كل النحاسات على أن في جملة منها ترك الإستفصال وترك التفصيل في مقام البيان وهو يفيد العموم إلا أن في شمولها للكيفية في التنجيس من ورود النجاسة على الماء أو وروده عليها محل بحث وتأمل وللأخبار الدالة على عدم انفعال الماء بالنجاسة والخبث إذا بلغ كُرّاً فإنها تقضي بمفهومها نجاسة الأقل من كُرّ وتحمله الخبث وهي معتبرة حتى ادعى تواترها ومستفيضه قطعاً ومعمول عليها بين الطائفة وموافقة للاحتياط والمناقشة فيها بعدم حجية المفهوم مطلقاً أو عدم حجيته إذا احتملت فائدة أخرى غيره وهي هنا محتملة لاحتمال أن التنصيص على الكر لكونه أقوى في رفع القذارة عن التغير بها وعن سلب الإطلاق عن مائه عند مخالطته لها أو غير ذلك أو عدم عموم المفهوم فيكفي فيه السلب الجزئي أو عدم عمومه لعدم عموم منطوقه أما لعدم عموم السؤر فيه أو عدم عموم الكر فيه أو لعدم عموم جواب الشرط بالنسبة إلى الخبث أو لعدم عموم الخبث المقدر في المفهوم لأنه نقيض عموم المنطوق فيكفي فيه ثبوت طبيعة الخبث أو عدم ثبوت إرادة المعنى الشرعي من لفظ النجاسة والخبث فلعل المراد المعنى اللغوي ضعيفة جدا لأن الظاهر من ا لأخبار ومن قرائن السؤال والجواب ضبط قاعدة كلية فيما لا ينفعل من المياه لأن فيها سألته عن قدر الماء الذي لا ينجسه شيء؟ فاجاب بأنه كر والمأتي به في مقام القاعدة والبيان يقضي بالعموم وإن كان من سور الأهمال على أن ترك التفصيل في جملة منها مما يقضي بالعموم وإلا لزم الأغراء بالجهل ولأن حمل الماء على معين ترجيح من دون مرجح وحمله على واحد ما يعود باللغو على كلام الحكيم فليس إلاّ الحمل على الطبيعة المفيدة للعموم ودعوى انصراف لفظ الماء للمسؤول عنه في بعض الأخبار كمياه الغدران فتكون اللام للعهد لا وجه لها لخلو أكثر الأخبار عن السؤال عن ذلك ولظهور ما فيه السؤال بإرادة بيان ضبط قانون الأصل حكم الماء لا للماء المسؤول عنه فقط ولأن لفظ ينجّسه وخبثاً فكرة في سياق النفي فتفيد العموم ولأن الظاهر منهما المعنى الشرعي في لسان الأئمة (() لثبوت كون النجاسة حقيقة شرعية في ذلك الزمان وكون المحتاج إلى البيان هو الخبث الشرعي وهو النجاسة دون المعنى اللغوي ولثبوت حجية المفهوم ولأن احتمال المفهوم الفائدة لا تسقطه عن الحجية وإلا لبطل المفهوم رأساً نعم طهورها مسقط وهو هاهنا ممنوع ولثبوت عموم المفهوم عرفا كما حقق في الأصول ولثبوت عمومه على نحو عموم المنطوق في الشرط ولثبوت عموم الخبث بالمفهوم في جهة عدم القول بالفعل إلا بالنسبة للفرق بين الورودين كما يأتي إن شاء الله تعالى أو من جهة فهم أن الكر علة في التطهير وجوداً وعدماً أو من جهة فهم عموم لفظ الخبث فيه كما هو في المنطوق للمقابلة في مقام البيان فظهر ضعف ما أورد على الرواية مفهوما ومنطوقا وأما ما احتج به (ابن أبي عقيل) من عمومات أددلة طهارة الماء كتابا وسنة نبوية وإمامية ففيه إنها مخصوصة بما ذكرناه لقوة الخاص فيحكم على العام ومن الأصول العقلية ففيه إنها معارضة باستصحاب شغل لذمة في العبادات المشروطة بها ومن أنه لو لم يحكم بطهارة الماء القليل لما صَحّ تطهير متنجّس لأن المتنجس لا يطهر المتنجس ففيه أنه لا ملازمة بين الحكم بعدم الطهارة والحكم بعدم التطهير بعد ورود الدليل أو أنه يحكم بطهارة هذا الفرد دون غيره للدليل كما يحكم بطهارة ماء الاستنجاء للدليل ومن أن اختلاف الأخبار في الكر دليل الاستحباب ومن أن غالب أحوال المسلمين عدم الاجتناب عن مساورة الصبيان والجوار ومن لا يعرف النجاسة في أوانيهم المشتملة على الماء القليل ومن أن الحكم بالتنجيس يؤدي للعسر والحرج والمشقّة ويوصل للوسواس المنهي عنه ومن أن حمل أخبار الكُرّ على الاستحباب أقرب لوجه الجمع بين الأخبار وكذا حمل أخبار المنهي على الكراهة والأمر على الاستحباب في الأخبار المستدل بها على التنجيس ومن أن أخبار التنجيس مفهومية وأخبار التطهير منطوقية والأول لا يعارض الثاني ومن أن ما دل على النهي عن الوضوء محمول على إرادة التنزه عن خصوص الوضوء لأن ماءه ليس كباقي المياه ففي جميع ذلك أنه بعد تسليمه إنما يصلح أن يكون إمارة أو مؤيدا للدليل عند خلوه عن المعارض القوي ومع المعارض الأقوى لا يصلح جميع ذلك لإثبات حكم شرعي لضعفه وعدم سلامته أكثره وبنائه على أصول وقواعد لا نقول بها نعم (لابن أبي عقيل) الاستدلال بالأخبار المتضمنة لجواز استعمال الغدير الواقع فيه الجيفة في رواية واستعمال الماء يمر به الرجل وفيه الميتة والجيفة في اخرى واستعمال الماء الذي يلغ فيه الكلب في ثالثه واستعمال الماء فيه دابة ميتة قد أنتنت إذا لم يغلب النتن على الماء في رابعه والأمر بالوضوء من الناحية التي ليست فيها الميتة في خامسه وجواز الوضوء في الغدير الذي يكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي والدابة المعلل بأن الدين ليس بضيق في السادسة ونفي اليأس عن الحياض التي يبال فيها إذا لم يغلب البول الماء في سابعه ونفي لباس عمن غمس يده في الماء وهي قذرة في ثامنه وتجويز النبي (() استعمال الماء الوالغة فيه الكلاب في تاسعة وغير ذلك من الأخبار الدالة بإطلاقها على طهارة الماء الشامل للقليل والكثير وكذا بالرواية الدالة على طهارة الماء إذا لم يتغير بسقوط الفارة والجرذ فيموتون وكذا الرواية الدالة على صلوحيّة لوضوء من ماء الإناء الذي أصابه دم من رعاف إذا لم يستبين والرّواية الدالة على نفي البأس عن غسالة ماء الحمام والرواية الدالة على تطهير العجين الواقع في مائه ميتة لأن النار أكلت ما فيه وهو لا يصلح للتعليل فليس إلا لعدم انفعال الماء القليل والرواية الدالة على جواز استعمال الماء القليل بوصف القلة ويداه قذرتان والرواية الدالة على نفي البأس عن الأستقاء بجلد الخنزير والأخرى النافية للبأس عن الاستقاء بحبل شعر الخنزير والرواية الدالة على وضوء الأمام (() من دلو خرجت فيه عذرة يابسة والرواية الدالة على طهارة ماء الراوية الواقع فيها فارة أو جرذ ولم يتفسخا والرواية الدالة على نفي البأس عن ماء الإناء الواقع فيه ماء واقع من أرض يبال فيها والروايات الدالة على جواز استعمال الماء الملاقي للنجاسة عند الضّرورة أو عند عدم غيره ولو كان نجساً لما جاز استعماله مطلقا والرواية المعلّلة لطهارة ماء الاستنجاء بأن الماء أكثر من القذر ومقتضى العلة تسرية الحكم وغير ذلك مما شابه ذلك والجواب عن هذه كلها أنا لو خلينا وورود هذه الأخبار من دون معارض يقوى عليها للزم الأخذ بمضمونها لتكثرها وموافقتها لعموم الكتاب والسنة واعتضاد بعضها ببعض ولكن لماّ عارضها ما هو أقوى منها سندا وأكثر عددا وأشهر فتوى وابعد عن فتاوى العامة وأقرب لمذاق الخاصة وانسب للاحتياط وأوفق للإجماع المنقول ولما عليهِ عمل القدماء الفحول وجب تقديم المعارض عليها واطراحها أو تأويلها ولو أن الماء القليل حكمه كما يقول (ابن أبي عقيل) لما خفي على أهل الشرع جيلا بعد جيل ولكان أمره واضح السبيل ولجرت عليه سيرة الأمة وأصحاب الأئمة لتوفر الدواعي إلى ذلك وتكثر الرغبات لما هنالك ولو ضممنا إلى ذلك المناقشة في سند الأخبار لوجدناها غير نقية لو دققنا في دلالتها لوجدناها ضعيفة غير قوية لأن كثيراً منها عمومه من ترك الاستفصال وشرط عمومه عدم ظهور فرد ينصرف إليه الإطلاق والمفروض أن الفرد الظاهر منها كون الماء المسؤول عنه كُراً وأزيد وذلك كأخبار الغدران وجملة منها يدل على الطهارة بلوازم غير مسلمة كرواية حبل الخنزير ورواية العذرة ومن المحتمل عدم أصابته وأصابتها الماء مع عدم تحقُّق إرادة العذرة النجسة وكرواية جلد الخنزير ومن المحتمل أن السؤال عن جواز استعماله لا عن طهارة الماء أو عن سقي الخضروات به والزرع وشبهه وكرواية الإناء ومن المحتمل وقوعها فيه لا في الماء وكرواية الرعاف ومن المحتمل إرادة العلم بالوقوع من لفظ الإِستبانة لا الرواية البصرية وكرواية المركن ومن المحتمل أن حكمه حكم ماء الغسالة وأن غسله في المرة الأخيرة بماء جديد وكرواية العجين ومن المحتمل طهره في النار أو تأخُّر وقوع الميتة في العجين وكرواية الحمَّام ومن المحتمل طهارة غسالته لعدم العلم بنجاستها وكروايات الضرورة ومن المحتمل حملها على التقية وكذا رواية الأذن مع عدم وجود غيره بل الظاهر ذلك إلى غير ذلك.
فوائــــد: