انوار الفقاهة-ج12-ص11
هو الطاهر المطهر والإيراد على الآية من جهة دلالتها على ماء السماء والدعوى أعم ومن كون ماء نكرة في سياق الإثبات فلا تعم ومن جهة أن (طهور) مأخوذ من فعل لازم فلا يتعدى فيراد منه المبالغ في طهارته ووصف المطهر به لغيره أمر خارج عن مصداق اللفظ فلا يحكم عليه به مردود بعدم القائل بالفصل أو بأن الماء كله من السماء كما دلت عليه الأخبار في الأول وبأن النكرة في سياق الإثبات والامتنان تفيد العموم في الثاني وأما الثالث فالجواب عنه أما بان لفظ الطهور يجيءُ اسماً لما يُتطهّر به كالشحور والغسول كما نصَّ عليه أهل اللغة وورد في كثير من الاستعمال فإرادته بقرينة المقام أولى من إرادة غيره ويكون بدلا من الماء أو وصفاً على سبيل التأويل وأما بإرادة معنى الوصفية والمبالغة من لفظ الطهور لكن لا على معنى المبالغة في الطهارة لعدم قبولها الشدة والضعف بل على معنى فعل التطهير فيكون معنى الطهور هو الطاهر المطهر على وجه الحقيقة اللغوية أو العرفية العامة أو المجاز المشهور كما نص على وروده كذلك أهل اللغة وورد به الاستعمال الشائع حتى ادعى جماعة من اللغويين والنحويين أن معنى المبالغة هاهنا هي المطهريّة وإن استعماله في البالغ في الطهارة نادر على غير القياس كما ورد ريقهُنَّ طهور مع احتمال إرادة الطاهر المطهر هاهنا مبالغة ويدل على إرادة أحد هذين المعنيين تصفح الأخبار عن الهداة الأبرار وكون الآية في سياق الامتنان وهو مما يناسب إرادة هذين المعنيين وفهم الفقهاء والمفسرين والعلماء والمتبحرين لذلك وقوله تعالى:[ لِيُطَهِّرَكُم بِهِ ] وقوله ((): (كان بنو إسرائيل إذا أصابتهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقارض وقد وسع الله عليكم ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا) ونسب الشيخ عدم الفرق بين ماء طهور وماء مطهر إلى أهل اللغة وقد ذكر هذا المعنى أكثر المفسّرين وأهل اللغة ونطق به العرف والاستعمال الشائع فلا معنى لإنكاره كما نسب (لأبي حنيفة) زاعماً أن فعولاً للمبالغة لا تتعدى واسم فاعلها “لازم” وأن (طهورا) بمعنى طاهر مبالغة في الطهارة وهو خطأ مخالف لكلام أهل اللغة والنحو والاستعمال في خصوص هذه المادة لاتفاق الكل على تعديتها وإن كان على غير القياس وعن (الترمذي) أنه متعد وأن أخذ من فعل لازم وهو من أكابر أهل اللغة وقد ورد أيضا بعض (صيغ المبالغة) متعدية وأسم فاعلها لازم في شعر العرب على أن (طهور) بمعنى طاهر غير مطرد فلا يُقال (خشب طهور) و(ثوب طهور) ونحو ذلك وَقد يستدل على إرادة المطهرية من لفظ الطهور هاهنا أن المبالغة في الطهارة لا تعقل إلاّ بهذا المعنى لعدم تعقل الزيادة والتكرار فيها وليس هو من باب إثبات اللغة بالترجيح بل هو من باب إثبات المعنى المراد بالإمارات العرفية كالحمل على أقرب المجازات والحمل على المعنى الظاهر ونحو ذلك ويمُكن أن يُراد بلفظ (طهور) المصدرية لأن المصدر منه مضموم ومفتوح ويراد بالمصدر هاهنا معنى المطهرية بقرينة السّياق والمقام والآيات الأخر وهو أيضا لا بأس به إلا أنه معنى مجازي للّفظ غير مشهور وغير معروف والإيراد على الآية بإجمال لفظ الطهارة مردود أما بالتزام كون لفظها حقيقة في رفع الحدث والخبث معا وأما بالتزام كونه حقيقة في الأول ولا قائل بالفصل وأما بالتزام كون رفع الخبث أولى بالامتنان وأما بالتزام الملازمة بين رفع الحدث ورفع الخبث وأما بالتزام إرادة المعنى اللغوي وهو شامل لهما.
بحث من طهورية الماء
بعد القول أن الماء طاهر مطهر فهل طهوريته المدلول عليها بالكتاب والسنة قضيّة مُهملة تفيد ثبوت المُطهريّة في الجملة فيتوقف بيان كيفيتها من الاحتياج إلى العصر وعدمه وعلّو ماء الغُسالة وعدمه والاكتفاء بالاتصال وعدمه وتعددها في الاكتفاء بالمرة أو الاحتياج إلى المرتين وعدمه إلى دليل يدل على ذلك فلا يحكم على الماء بالطهورية للمتنجس إلا أن يدل دليل على كيفية التطهير أو أن قضيتها قضية مطلقة بمنزلة العام فتفيد المطهرية على أي نحو كان وعلى أي طريق لا بس المتنجس وبأي فرد كان إلا ما قام الدليل على أحتياجه للامتزاج وعدم كفاية الاتصال فيه واحتياجه للعصر أواحتياجه للتعدد أو غير ذلك وجهان أقواهما الأول
بحـــث:
يستوي في طهورية الماء جميع أفراده في النازل من السماء والنابع من الأرض والمتصاعد من الأبخرة والمذاب من الثلج والبرد والواقع على الأشجار والزرع في الظل وماء البحر والنهر ويستوي في ذلك الخالص والمخالط لأجسام طاهرة لا تسلبه الإطلاق سواء تغير بها أم لا في طين وأشنان وملح عارضة له أو كانت مصاحبة له ابتداءً كالكبريت ونحوه ويستوي في ذلك المتغير بسبب كثرة البقاء في الأرض أو المتغير بسبب كثرة الاستعمال والمزاولة ككثير من ماء الحمامات وكثير من ماء الحفر التي تكون في أراضي المياه وغير المتغير ويستوي في المتغير تغير الطعم والريح واللون وغيرها كل ذلك لعموم الأدلة والإجماع بقسميه.
بحـــث:
الماء حار ومحقون وماء بئر وقد علقت على لفظ الجاري ولفظ البئر في الأخبار وكلام الأصحاب أحكام كثيرة سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى والمراد بالجاري على ما يظهر الأخبار وكلام الأصحاب معنى يغاير المعنى اللغوي فكأنه حقيقة عرفية خاصة