انوار الفقاهة-ج12-ص8
سوى غسل المستقبل لأن المستقبل إنما وجب بعد مضي الصوم وانعقاده صحيحاً فلا يؤثر فيما تقدمه ولا يتفاوت الحال في أجزاء غسل الفجر بين أن يكون قبل الفجر أو بعده إذا وقع قبل صلاة الفجر سوآء تقدم سببه على الفجر أم تأخر لأن الغسل لصلاة الفجر وهو نفسه شرط في الصوم، نعم لو تقدّم سببه فانقطع الدم قبل الفجر كان الأحوط تقديمه على الفجر للصوم ويقوى القول بجواز تأخيره إلى إرادة لصلاة فيجزي الغسل لها عنه مع احتمال أن غسل الانقطاع لو أوجبناه للصلاة لا نوجبه للصوم لعدم ثبوت حدثية الانقطاع للصوم وعدم ثبوت كونه مانعا وحينئذ فلو انقطع قبل الفجر جاز صومها وإن تركت الغسل والصلاة حتى طلعت الشمس لكنهُ مخالف للاحتياط وهل يجب الغسل لنفسه كما يجب لغيره أم لا؟ والمشهور في غير غسل الجنابة العدم بل كأنه مجمع عليه والأصل قاض به وفي غسل الجنابة قولان أشهرهما وأقواهما العدم للأصل أيضا ولظاهر الآية الشريفة حيث أن سياقها يقضي بالوجوب الغيري للصلاة للاهتمام به أكثر من الوجوب النفسي ولمكان عطف (إن كُنْتُمْ جُنُباً فأطهّروا) على جواب الشرط لقربة أو على مقدر تقديره (إذا قمتم من حدث النوم وكنتم محدثين بالأصغر فاغسلوا وأن كنتم جنبا من جهة الاحتلام فاغتسلوا) ويقربه تقديره في الصحيح (إذا قمتم من النوم) حتى ادعى إجماعا المفسرين عليه وكونه أقرب للسياق وعدم التكرير في قوله تعالى: “أو جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أو لامَسْتُم النِّساءَ” حيث أنه يراد بهما ما قابل حدث النوم ويكون وجوب الوضوء والغسل بالمفهوم ولذكر التيمم مرتبا عليهما عند فَقْد الماء وهو واجب لغيره فيشعر السياق بوجوبهما لغيرهما أيضا وقوله ((): (إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة) وقوله (فيمن تغتسل عن الجنابة فجاءها الحيض قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل) فإن إشعارهُ بالوجوب الغيري لا ينكر واحتمال بيان توسعة الغسل عند مجيء الحيض أو بيان إفساد الحيض للغسل بعيد عن ظاهر الخطاب وقد جاءت أخبار أخرى أيضاً دالة على الأمر بتأخير غسل الجنابة عمن جاءها الحيض وهي مشعرة بالوجوب الغيري إذ لو كان الغسل واجبا لنفسه لكان الراجح فعله لرجحان البدار إلى الواجب الموسع وكان الأمر بتأخيره مستبعد جدا ودعوى تنزيل الأخبار على بيان بطلان غسل الجنابة بحدوث الحيض لأنه مانع من رفع الحدث فلا يصح معه الغسل لا نقول به لأنا لا نمنع في الأحداث الكبريات من رفع أحدها وبقاء الآخر والتداخل في الأغسال رخصة لا عزيمة وأما ما استدل به القائلون بالوجوب النفسي من إطلاق الأخبار الآمرة بغسل الجنابة كقوله ((): (إنما الماء من الماء وإذا التقى الختانان وجب الغسل) فمردوده بحملها على الوجوب الشرطي كالأخبار الواردة في الوضوء وغسل الأخباث بل الظاهر منها ذلك ولو لم يكن إلا فهم الأصحاب منها ذلك وإعراضهم عن الأخذ بظاهرها لكفى في توهينها وعدم جواز الأخذ بظاهرها وعدم اشتهار الوجوب النفسي وعدم عدّهِ من الواجبات والمحافظة عليه في الوصايات والنيابة عن الأموات دليل على عدمه وكذا ما استدلّوا به من الأمر في بعض الأخبار بالغسل بعد الجنابة وإن لم يكن وقت مشروط به وبالغسل به قبل النوم كذلك ومن الحثّ عليه خوف فواته بالموت محمول على الإِستحباب لا الفرض والإيجاب لأن الغسل للجنابة مستحبٌ لنفسه والكون على الطهارة منه مندوب وكذلك بل الظاهر أنه مندوب لجملة من غايات الوضوء المطلوب منها الطهارة فتحمل على ذلك الأخبار عن الهداة الأطهار.
بحث في التيمم