انوار الفقاهة-ج12-ص2
يجب الوضوء للصلاة الواجبة وجوبا غيرياً قضى به الخطاب التبعي للصلاة لمكان الشرطية والخطاب الأصلي الغيري وذلك بالإجماع، والكتاب، والسنة، وكذا لأجزائها المنسية وركعاتها الاحتياطية والأحوط إلحاق سجود السهو بهما وكذا يجب للتطواف الواجب لأنه صلاة الظاهر في الاستناد إلى الخبر الطواف بالبيت صلاة وفيه أن هذا الخبر قاصر السّند يحمل الدلالة بل لم يرد مسندا في طرقنا كما صرح به الفاضل في مسألة شرائط ستر العورة فالأولـــــى الاستناد إلى الإجماع المنقول مستفيضاً والنصوص المستفيضة ألغي منها الصحيح وغيره ولعله ترك ذلك اعتماداً على الظهور فتم إلى هنا ويدخل في الصلاة الواجبة المنذورة والمستأجر عليها وفي الطواف الواجب والمنذور والمستأجر عليه أن قلنا بشرطية الوضوء للطواف المندوب وكذا يجب لمس المصحف وللفظ الجلالة الواجبين بنذر أو شبهه أو لعروض ما يوجب تعظيمها كرفعهما من القذارات وشبهها وهو مبني على تحريم (مس المحدث) لهما كما يستفاد من الرواية المعتضدة بالأخبار وكلام الأخبار وكذا يجب بالنذر له وللطهارة الداخل فيها أو بالاستئجار عليه لميت أو لحي ولا يجب لنفسه للأصل والإجماعات المنقولة والشهرة المحصلة والسيرة القاطعة وخلو الأخبار والمواعظ والوصايا والنصائح وكلام المتقدمين عنه وما جاء من الأخبار من الأمر به محمول على بيان الشرطية كما ورد في غسل الأخبار أو على الاستحباب وعدم فهم الأصحاب منها الوجوب النفسي وإعراضهم عنه يورث الظن الواجب الأتباع في ظواهر الخطاب بعدم إرادته ويدل على عدمهِ أيضاً قوله (() إذا دخل الوقت وجوب الطهور والصلاة لظهور عدمها عند عدم دخوله واحتمال تسلط الحكم على المجموع فينتفي المجموع بعدم دخوله ويكفي في انتفائه وجوب الصلاة فقط كاحتمال تسلط النفي في المفهوم على الكلية ويكفي في نفسها السلب الجزئي بعيدان كان احتمال تقيد المنطوق بوجوب الطهور لها فينتفي في المفهوم ذلك فلا يفيد نفي النفس للزوم الاعتماد عليه سد باب المفهوم رأسا واصلا ولا يساعده عرف ولا لغة وقوله تعالى “إذا قُمْتُم إِلى الصَلاةِ” إلى آخر الآية فإنها تدل عرفا على الوجوب الغيري (كخذ سلاحك إذا لقيت الأسد) وتدل بالمفهوم على ذلك أيضاً لانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط مطلقاً والطعن في الاستدلال بها من جهة عدم عموم المنطوق أو من جهة عدم عموم المفهوم أو من جهة عدم ظهور المفهوم لظهور فائدة أخرى غيره وهي بيان وجوبه الغيري أو الشرطي للصلاة أو من جهة احتمال تقيد المنطوق بكونه للصلاة فينتفي كونه لها بالمفهوم لا مطلقا فلا يدل على نفي الوجوب النفسي كله ضعيف لا يركن إليه كما لا يركن لمن ضعف المفهوم بأن القول به مخالف للإجماع للزوم عدم الوجوب عند عدم القيام المتجوز به عن التهيء أو المحذوف منه الإرادة عند دخول الوقت ولا قائل به وذلك لأن خروج بعض المفهوم بالإجماع لا يسقطه عن الحجية كما أن المنطوق لا يستدل به على الوجوب النفسي من جهة شموله للوقت وما قبله ولا يكون وجوبه قبله إلا نفسيا لأن ظهور الإرادة والتهيء في المتصلتين الحاصلتين في الوقت دون المنفصلتين وتعليق الوجوب بالقيام المؤول بهما مما يبعد ذلك كل البعد على أنه يلزم على القول بالوجوب النفسي إيجاد واجبات متعددة لا يتصف تاركها بالذم والعقاب كمن توضأ وضوءات متعددة بعد أحداث متعددة كل وضوءين حدثين لم يتفق واحد منهما بظن الفوات ولا يضيق مشروط به وهو بعيد والنقض بلزوم مثل ذلك على القول بالوجوب الغيري مردود بأن الوضوء الغيري ما لم يترتب عليه المشروط به كأن وقع الحدث قبل فعل المشروط به لا يكون واجبا وإن تخيل وجوبه ابتداء لانكشاف عدم وجوبه بعد ذلك.
بحث الوضوء المندوب
يندب الوضوء لغايات كثيرة منها ما يكون شرطا في صحتها كصلاة النافلة والطواف المندوب وأن قلنا بشرطيته له وأن قلنا انه مكمل له كما هو الأظهر فليس من هذا القسم ومنها ما يحرم فعلها بدونه كالمس المندوب لتبرك أو تعظيم أو شبههما ومنها ما يكون مؤثرا فيها كمالاً كطلب الحاجة وحمل المصحف وأفعال الحج عدا الطواف والصلاة وصلاة الجنازة وزيارة قبور المؤمنين وتلاوة القرآن ونوم الجنب وجماع المحتلم وجماع غاسل الميت ولما يغتسل ومريد غسل الميت وهو مجنب وذكر الحائض والتأهب للفرض قبل وقته والتجديد والكون على الطهارة وجماع الحامل واكل الجنب ودخول المساجد والنوم والمجامع إذا أراد الجماع مرة أخرى وكتابة القرآن والقدوم من السفر لأهله وللزوجين ليلة الزفاف وجلوس القاضي مجلس القضاء وإدخال الميت القبر وتكفينه إذا أراد تكفينه وغسل الجنابة وجميع الأغسال المسنونة وقد يندب لأمور كثيرة لشبهها بالنواقض كالضحك في الصلاة منها القهقهة والكذب والظلم والإكثار من إنشاد الشعر الباطل وإنشائه مطلقاً أو ما يزيد على أربعة أبيات والودي (بالدال المهملة) بعد البول والاستبراء منه والمذي والرعاف والقيء والتحليل بما يسيل الدم ومس باطن الدبر وباطن الإحليل ونسيان الاستنجاء قبل الوضوء والتقبيل بشهوة ومس باطن الفرج والغضب وبعد الأكل ولمن لم يستنجي بالماء حتى توضّأ وإن كان استجمر.
وهنا فوائــــد
أحدهــا: أكثر ما قدمناه قد ورد فيه روايات خاصة وحكم به مشهور الأصحاب ومنه ما لم نعثر به على رواية خاصة لكنه قد قضت به العمومات كالوضوء قبل الاغسال المسنونة ومنه ما لم نعثر به على دليل مطلقا سوى فتوى الفقهاء وبعض الاستحسانات العقلية كجلوس القاضي مجلس القضاء والأظهر جواز الأخذ بالكل لما تفرر من جواز التسامح بأدلة السنن وجواز الاستناد بها إلى الخبر الضعيف وفتوى الفقيه الواحد بل وإلى الأستحسان العقلي وذلك لأن ما شرع أصله من صلاة أو دعاء أ وزيارة أو ذكر أو وضوء وشك في خصوصياته من زمان ومكان وحال ولم يكن هناك معارض لمشروعية تلك الخصوصية سوى التشريع قطع العقل بحسن فعله لتلك الخصوصية لاحتمال تحصيل ما يترتب عليها من الثواب وشمله دليل الاحتياط وكان منفعة خالٍ عن أمارة المفسدة واحتمال المفسدة من جهة التشريع يرفعها الحسن العقلي والاحتياط الشرعي فيكون فعله راجحا.