انوار الفقاهة-ج8-ص204
بحث:من دخل وقت فريضة وهو حاضر بحيث تمكن من الإتيان بها جامعة للشرائط فاقدة للموانع ولم يصلها حتى سافر بعد ذلك في وقت يمكن فأديتها قصراً جامعة مانعة كذلك أو دخل عليه وقت وهو مسافر بحيث يمكنه تأديتها كذلك ولم يصلها حتى دخل بلده في وقت يمكن تأديتها فيه كذلك فهل الاعتبار بحال الأداء فيها معاً فيقصر في الأول ويتم في الثاني أو لعبرة بحال الوجوب فيهما معاً فيتم في الأول ويقصر في الثاني إذ الحكم بالتخيير بين القصر والإتمام في الموضعين أو التفصيل بين السعة والضيق في الموضعين فيتم في حال السعة ويقصر في حال الضيق أو العبرة بحال الأداء في الأول فيقصر وبحال الوجوب في الثاني فيقصر أيضاً وجوه بل أقوال أقواها الأول لصحيحة إسماعيل بن جابر الآمرة بالإتمام للمسافر إذا دخل أهله بعد دخول وقت الصلاة وبالتقصير للحاضر إذا سافر بعد دخول الوقت وفيها (وإن لم تفعل فقد خالف والله رسول الله (()) وصحيحة العيص فيمن دخل أهله قبل أن يصلي وقد دخل عليه وقت الصلاة في السفر قال:(يصليها أربعاً) ولغير ذلك من الأخبار الخاصة المنجبر ضعفها بفتوى المشهور والإجماع المنقول والعمومات الدالة على الإتمام في الحضر والتقصير في السفر واستدل المفصل بين السعة والضيق بموثق عمار عن أبي الحسن (() في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال:(إن كان لا يخاف الفوت فليتم وإن كان خاف خروج الوقت فليقصر) وفيه مع ضعف السند وعدم القابلية للمقاومة لما تقدم أنها خاصة في صورة القدوم من السفر لا في صورة الخروج إليه وأنها قابلة للحمل على أنه يقصر قبل دخوله البلد واستدل من ذهب إلى التخيير بأنه وجه جمع بين الأخبار وفيه أن الجمع بعد المقاومة ولم تثبت المقاومة بل تثبت عدمها على أن وجوه الجمع لا تنحصر في التخيير وبما رواه في الصحيح عن أبي عبد الله (() (إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم أحب إلي) وفيه مع عدم قابليته المقاومة لما تقدم قابلية الحمل على أنه شاء وصلى قبل الدخول إلى البلد قصر وإن شاء صلى بعد الدخول إليها تماماً والتمام أفضل وإن كان فيه تأخير الصلاة عن وقتها لأن أفضل الأعمال أحمزها ولزيادة التوبة بها على أنها خاصة بالقادم من سفره وموافقته لمذهب العامة واستدل من ذهب إلى اعتبار حال الوجوب لمن سافر فأوجب التمام فيمن خرج بعد دخول الوقت بالاصل وفيه انه يخصص بما قدمناه وللصحيح في الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال:(يصلي وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلِ أربعاً) وفيه مع عدم المقاومة واحتمال حمله على التقية قابلية لحمل الدخول والخروج في قوله يدخل وخرج على إرادتهما وهو مجاز شائع فيكون التقصير في السفر والإتمام في الحضر ولما رواه جميل عنه (() قال في رجل سافر نسى الظهر والعصر في السفر حتى دخل أهله قال:(يصلي أربع ركعات) قال:(ولو نسي الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج قال يصلي اربع ركعات في سفره وقال إذا دخل على الرجل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره) وفيه مع احتمال حمله على التقية أنه لا يبعد إرادة الأربع ركعات من مجموع الظهر والعصر فتكون قصراً حينئذ ويراد قضاؤها في الحضر في جميع الوقت ونحن نقول به ولرواية النبال قال: خرجت مع أبي عبد الله (() حتى أتينا الشجرة فقال لي (():(لم يجب على أحد من هذا العسكر أن يصلي أربعاً غيري وغيرك وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج) وفيه مع ضعف السند أنه محمول على التقية ولرواية الوشا عن الرضا (() يقول:(إذا زالت الشمس وأنت في المصر وتريد السفر فأتم وإذا خرجت قبل الزوال فقصر) وفيه ضعف السند مع أنه محمول على التقية وقد يضاف إلى ذلك بعض الوجوه الاعتبارية كما ذكره العلامة (() منها الواجب عليه وقت الوجوب الأربع فلا تسقط بالعذر المتجدد كالحيض والموت وفيه إنه قياس مع الفارق لانقطاع التكليف فيستقر الوجوب دون محل الفرض لبقاء الوجوب في جميع الوقت وإن تبدل وصف من وجب من الحضور والسفر كما يتبدل من الاختيار إلى الاضطرار ومن الصحة إلى المرض ومنها الاستصحاب لحكم التمام وفيه أنه مقطوع بالأصل والعمومات ومنها أن الصوم يجب إتمامه للمسافر بعد الزوال فكذا الصلاة للملازمة بينهما وفيه منع شمول عموم الملازمة لمفرض المسألة كما هو ظاهر وبعد تسليم الشمول فيما دل على وجوب الصوم هناك ووجوب القصر هنا خصص العموم المتقدم كما أنه في العود من السفر يجب الإتمام عند العلامة (() ولا يجب الصوم بل لا بد من الإفطار على أن للمانع أن يمنع وجوب الصوم أيضاً ومنها إن الاحتياط في الإتمام لاشتماله على القصر وزيادة وفيه منع مشروعية الاحتياط هنا بالتمام لأنهما نوعان لا نوع واحد فيه زيادة ونقصان ومنها ان العلة في وجوب القصر هو السفر والمفروض تأخره عن وجوب الصلاة فلو اثر فيه القصر لزم تقدم المعلول على علته وفيه إن علة وجوب القصر استدامته وإن لم يكن علة ابتداء لتعلق الخطاب في جميع أجزاء الزمان على سبيل التكرير التخييري في جميع أجزائه أو أنه علة لهيئة القصر لا علة لوجوبه فلا تقديم ومنها أن القول بالقصر سفراً أو القول بالقضاء على الحائض إذا طهرت لا يجتمعان لأن بناء الثاني على استقرار الخطاب فليكن الأول كذلك والثاني لا يمنعه أحد فالأول ممنوع وفيه وضوح الفرق بين انقضاء التكيف رأساً وبين بقائه وتبدل موضوع المكلف فلا ملازمة ومنها أن القضاء تابع للأداء والإتمام واجب في القضاء فكذلك في الأداء وفيه منع تسليم وجوب الإتمام في القضاء في هذه الصورة كما هو الحق ولئن قلنا به فللدليل لا للقاعدة فلا يصلح أن يكون دليلاً ومنها إن من صلى في السفينة قبل مفارقته المنزل وجب عليه الإتمام وإن غاب عنه الأذان ولم ير الجدران في الأثناء لأن الصلاة على ما افتتحت به فكذا هنا لعدم القائل بالفرق وفيه منع تسليم وجوب الإتمام هناك بل يجب العدول إلى القصر ما دام محل العدول باقياً وكذا الحال في جميع من وجب عليه التمام فانتقل فرضه في الحال إلى التقصير كمن تاب بعد المعصية وضرب في الأرض وفي الجملة بحيث لم تفسد صلاته وفارق عمله وخرج من مواطن التخيير وإذا تجاوز محل العدول كأن دخل في الثالثة أو في الرابعة فإنه هناك يحتمل البطلان ويحتمل الإتمام والإجتزاء به والأحوط الإتمام والإعادة قصراً وأدلة الأقوال الباقية ضعيفة المبنى والمعنى فلا تستأهل شرح الحال.
فوائد:
الأولى:لو أتم في موضع القصر أو بالعكس نسياناً فنسى فقصر في الصورة الأولى وأتم في الثانية صح عمله ولموافقته المأمور به والأحوط الإعادة.
الثانية:ذهب ابن الجنيد إلى أن إقامة الخمسة كإقامة العشرة تقطع حكم السفر وحكم كثرته وهو ضعيف يبنى على ضعيف شاذاً لا يلتفت إليه ولا يبعد مشروعية الاحتياط لأجله في الجمع بين القصر والإتمام.
الثالثة:ينبغي الاحتياط في الجمع بين القصر والإتمام لمن قطع ببقائه في مقام أو نوى بقاؤه فيه وإن قطع بخروجه إلى ما فوق حد الترخص من توابع البلد ومزارعها ورساتيقها كالكاظمين وبغداد والنجف والكوفة والحلة وما اتصل بها من القرى مع بقاء رحله ومتاعه وسيما مع ذهابه ورجوعه سريعاً وسيما مع عدم نية الإكثار من ذلك كل ذلك لشبهة عدم الإخلال بالإقامة عشرة عرفاً في بلدة واحدة عرفاً.
الرابعة:ينبغي لمن صام كثيراً أو قليلاً بعد نية الإقامة ولم يصلِ فريضة بتمام سهواً أو عصياناً فعدل عن الإقامة أن يعيد ما فعله من الصوم لشبهة انكشاف بقائه على السفر فيكون فاقداً بشرط صحة الصوم واقعاً.
الخامسة:من قصر موضع القصر جاهلاً أو أتم موضع الإتمام كذلك فسدت عبادته على الأظهر وإن وافقت الواقع سواء خطر السؤال بالبال أم لا.
السادسة:ينبغي الاحتياط في الجمع بين التقصير والتمام لمن خرج مسافراً لأجل التقصير والإفطار لا لغرض آخر.
السابعة:ينبغي الاحتياط في إعادة ما فعله جاهل المسافة المتمسك بالاستصحاب أو إخبار الغير فأتم قصراً لانكشاف حصول السفر له وإن كان معذوراً وكذا الصوم.
الثامنة:ينبغي الاحتياط بين القصر والتمام لمن خرج من دار إقامته قاصداً للمسافة فبلغ محل الترخص فرجع عن قصده إليها لطلب حاجة أو لخوف أو لكونها صارت طريقاً لمسافة أخرى لشبهة عموم المنزل نعم لو تجاوز المسافة ولا احتياط أصلاً وكذا باقي أسباب التمام لو عن له العود إليها قبل تجاوز المسافة لو قصدها قبل ذلك.
التاسعة:لا تصح نية الإقامة في رستاق أو قرية كبيرة ينتقل فيها من مكان إلى مكان لسعة محاليلها كأصبهان ومصر واسطنبول.