انوار الفقاهة-ج8-ص198
بحث:لا يجوز للمسافر الخارج من وطنه أو من دار إقامته أو من مكان تردد ثلاثين يوماً التقصير حتى يتوارى عنه مشكل جدران ويخفى اذانها قطعاً من خفاء الأمرين معاً ولو كان في بساتين البلد أو مزارعها بالنسبة للبلد المتوسط والأرض المتوسطة والزمان المتوسط فلا عبرة بالسماع وقت هجوع الناس وعلو الهواء إلى نحو السامع ولا يعدم عند الغوغاء وانقلاب الهواء ولا عبرة بالجدران العالية جداً والملونة بألوان شعاعية من حمرة أوصفرة وبياض ولا بالبصر الحديد ولا عبرة أيضاً بالحرم بل العبرة بتفصيل الصورة واللون ويعتبر رؤية آخر البلد من طرف المسافر وسماع الأذان فيه ولا يشترط سماع أذان وسط البلد وبيوت الأعراب وشبهها حكمها حكم البلد والمتسع الخارق للعادة في اتساعه يقدر له بلد متوسطة فيعتبر له رؤية جدرانها وسماع الأذان منها لو اختلف السامعون والمبصرون مع تساويهم في حد الوسط غير السامع وغير المبصر للسامع والمبصر يحتمل اختلاف حكم كل منهما بالقصر والإتمام ويجوز اقتداء كل منهما بالآخر على الأظهر ولو تعارضت البينتان فالأقوى وجوب التمسك بالأصل واستصحاب التمام ويحتمل تقديم بينة المثبت للسماع والرؤية مطلقاً ويحتمل تقديم بينة المثبت لبلوغ الحد وإن استلزم نفياً كما أن الأول يستلزم نفياً لبلوغ الحد أيضاً ويحتمل تبعية الشهادة لصورة أرادها من نفي أو إثبات أو يقوم مقام الجدران ما شابهها من نخل وأشجار وكرود ويقوم مقام الأذان وإن ما شابهه من صوت حيوان أو جماد كتفق وطبل وشبهها ولو لم في البلد مصوت ولا جدار قدر وجودها واعتبر بعد ذلك ولا يعتبر تمييز الفصول في الأذان على الأظهر هذا كله في خفائهما معاً ولو خفي أحدهما فقط فإن قلنا إن خفاء أحدهما لازم لخفاء الآخر وعدمه لازم لعدمه وإن خفي على الحس ذلك فلا إشكال وإن قلنا بعدم التلازم كما هو الظاهر فهل يكتفي بخفاء أحدهما مطلقاً وإن ظهر الآخر أو لا يكتفي مطلقاً استصحاباً لحكم التمام أو يكتفي به لو جهل الآخر ظهوراً أو خفاءاً ولو علم ظهوره فلا يكفتي به وعلى الاكتفاء بخفاء أحدهما فهل يختص بخفاء الرؤية فقط كما ذهب إليه بعضهم تقديماً للأخبار الدالة عليه أو العبرة بخفاء الأذان فقط تقديماً للأخبار الدالة عليه أو طرحاً لما خالفها أما مطلقاً أو المتوسطة منه كما عن الحلي وجوه أقواها عدم اعتبار خفاء أحدهما مطلقاً أو معيناً لأرجحية الجمع بين ما دل على التحديد بالأذان وبين ما دل على رؤية الجدران بتقييد كل منهما بالآخر والأخذ بكل منهما فيما عدا الخاص على الجميع بالتخير كما نسب للقدماء لاعتضاده بالأصل واستصحاب التمام وشمول الخاص عرفاً لمن لم يبلغ حد خفائهما على الأخذ بأحدهما وطرح الآخر كما ذهب إليه جماعة كما تقدم وتقييد كل منهما بالآخر هنا ليس من الممنوع عقلاً كاحتمال الأمر والنهي في واحد شخص عند تناوله في العامين من وجه كالصلاة في الدار المغصوبة لرجوعه هنا إلى تقيد كل منهما بمفهوم الآخر ولا بأس به إذا كان أقرب للجمع من غيره فتأمل والأحوط الجمع عند خفاء أحدهما إلى أن يعلم خفائهما فيقصر حينئذ.
بحث:ذهب بعض من أصحابنا إلى عدم اعتبار هذا الشرط واكتفى بالخروج من المنزل في القصر وظاهره وإن كان في بلده لما جاء في بعض الأخبار من تعليق التقصير على الخروج من المنزل وهي ضعيفة سنداً ودلالةً لاحتمالها التقيد بالشرط المتقدم المدلول عليه بالأخبار والإجماع المنقول والشهرة العظيمة المحققة فيضعف لذلك القول بها نعم لا يشترط هذا الشرط في جميع أسباب التمام ما عدا ما ذكرناه من الوطن ودار الإقامة والتردد ثلاثين يوماً ولما دل على أنها بمنزلة الوطن لما ورد في الصحيح (أن من ورد فبل التروية بعشرة أيام فهو بمنزلة أهل مكة) وما ورد (أن المقيم إلى شهر بمنزلتهم) فلا يشترط هذا الشرط فيمن سافر عن المعصية أو فارق عمله أو جزم على السفر بعد تردده أو قطعه بعدمه وقد بعد عن بلده أو طلب الآبق والضائع وغيرهما نعم يشترط الضرب في الأرض على الأظهر والأحوط في خصوص الملاح الجمع ولا يكفي مجرد قصد المسافة مع بقائه في مكانه استصحاباً لحكم التمام وإن كان الأحوط الجمع حتى يضرب في الأرض والأحوط في خصوص الملاح الجمع بين القصر والإتمام حتى يحصل خفاء الجدران والأذان لما ورد عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير قال:(لا لأن بيوتهم معهم) فتنزل السفينة حينئذ منزلة الوطن واعلم أن الأخبار فيها أن يتوارى المسافر عن البيوت لا تتورى البيوت عن المسافر وقربه بعض المتأخرين بقربه للعلامة الثانية ولكن فهم الأصحاب مما يصرف ظاهر الخطاب سيما وإن هذا الاستعمال غير منكر في اللسان ولا مهجور عند أهل البيان وربما يدعى أنهما سواء بناء على أن المراد أشكل الجدران تفصيلاً لا جرمها اجمالاً فتواريه لا ينفك عن تواريها غالباً على وجه التقصير أو على أن التواري تفاعل من الجانبين فمتى توارت منه توارت منها.