انوار الفقاهة-ج8-ص90
بحث: الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان لا يصدق أحدهما على فرد مما يصدق عليه الآخر والمرجع فيهما إلى العرف كما هو الشأن في سائر الألفاظ العرفية المعلقة عليها الأحكام الشرعية وليس بينهما عموم من وجه كما تخيله بعض أصحابنا من أن أعلاه في الجهر وأدناه أن لا يسمع إلا نفسه وأعلى الجهر لا حد له وأدناه أن لا يسمع سوى القريب إليه لبطلانه بداهةً بامتناع إسماع نفسه دون القريب غالباً ولحصول الاشتراك بينهما في كثير من الأفراد وظاهر الكتاب والأخبار وكلام الأصحاب بنفيه وبالتزام نية التشخيص في الإخفات تمييزاً للاشتراك الواقع بينهما وهو لا يلتزم أحد وليسا من المتضادين المختلفين في الحد بأن يكون أدنى الجهر إسماع القريب تحقيقاً أو تقديراً وعلى الإخفات إسماع نفسه تحقيقاً أو تقديراً لبطلانه بالتزام ما عليه السيرة والطريقة في الإخفات غالباً وبتأدية للعسر والحرج وبامتناع انفكاك إسماع القريب عين أسماع النفس غالباً بل قيل أنه مما لا يطاق وبما ورد من أن أحمد بن علي صحب الرضا (() فكان يسمع ما يقوله في الآخرتين من التسبيحات فالقول به ضعيف وإن نقل عليه الإجماع ولعل الإجماع محمول على بيان حد الإخفات الذي لو تجاوزه لا يجزي في القراءة وكان كحديث النفس ولا تنصرف إليه إطلاقات القراءة كما ورد في الصحيح ولا يكتب منه القراءة والدعاء إلا ما أسمع به نفسه ونقل عليه الإجماع فما ورد في بعض الصحاح من أنه لا بأس بأن يحرك لسانه يتوهم توهماً محمولاً على التقية عند الصلاة خلف من لا يقتدى به كما لا يشعر به الأخبار المجوزة للقراءة معهم مثل حديث النفس وأنه يقرأ معهم لنفسه و إن لم يسمع نفسه فلا بأس وهل يجب على هذا إسماع مواد الحروف أو يكفي صورة الهمهمة وجهان من انصراف إطلاق الأوامر إلى الأول وظهور الإجماعات المنقولة فيه والاحتياط يقضي به ومن ورود الصحيح بجوازه عن أبي عبد الله (() قال سألته : هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه قال : لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة . والأول أقوى لضعف دلالة الرواية على الحكم لجواز حملها على السماع التقديري ولابأس به فظهر مما ذكرناه أن الجهر والإخفات عرفيان فليس كلما سمع الغير جهراً أما ما لم يشتمل على صوت جوهري معه لا يصدق الإخفات ولا كلما لا يسمع إلا نفسه إخفات ما لم يتجرد عن الصوت الجوهري المصاحب له المستمع جهراً في العرف وليس بينهما وأوسطه كما يظهر من بعضهم أن الجهر ما اشتمل على الجوهرية وإسماع الغير والإخفات ما خلا عنهما وهو مخالف لما دل عليه الأصحاب كما إن ما يظهر من بعض آخر من أن ما أجمع الجوهرية وإسماع الغير جهراً وما عداه إخفات شاذ لم نرَ من أفتى به.
بحث:يجب الجهر على الرجال في الصبح وأولتي المغرب والعشاء والإخفات فيما عداها في القراءة وبدلها من التسبيح وفاقاً للمشهور والإجماع المقول والتأسي المحقق بالعقل في مقام الشك وللأخبار ومنها الصحيح رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه فقال أي فعل ذلك متعمداً فقد نقص صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه ومنها غير الصحيح المعتضد بما تقدم ولفظ لا ينبغي لا يخص الاستحباب كما إن لفظ نقض بالضاد المعجمة لا بالصاد ولو سلم فلا تدل على الاستحباب أيضاً و إن لم تدل على الإيجاب على أن في إيجاب الإعادة ما يرفع الاحتمال في الاستدلال ومنها المعتبرة المستفيضة المقسمة للصلاة إلى قسمين جهرية وإخفاتية الظاهرة في التوظيف الظاهرة في الوجوب خلافاً لمن ندبها للصحيح في الجهرية إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر وهو أخص من الدعوى وشاذ لا يعارض ما تقدم فهو أما مطرح أو محمول على التقية أو على نوافل الليل ولقوله تعالى: [ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ] حيث أنه أمر بالوسط في الجميع وفيه إن حمل الآية على النهي عند قيد الكلية في الصلاة محتمل فيراد بالسبيل الإتيان في البعض والنفي بالعض الآخر فيكون المعنى لا تجهر في جميع أفراد الصلاة ولا تخافت في جميعها بل اجهر في بعض واخفت في آخر ومع صحة هذا الاحتمال يقدم على ذلك الاحتمال الذي يبنى عليه الاستدلال لضعف ذلك بمخالفته ظاهر الأمر بالتخير لظهوره في وجوب القراءة الوسطى في جميع الصلاة ولا قائل برجحانه فضلاً عن وجوبه ولظهوره في أن هناك واسطة بين الجهر والإخفات لتعلق النهي بهما والأمر بما بينهما ولا قائل من أصحابنا وقد يقال في معنى الآية أن النهي عن الجهر هو المتجاوز الحد لأنه مفسد على الأظهر لعدم انصراف إطلاق القراءة والجهر أليه وعن الإخفات هو الذي لا يسمع نفس القارئ كما دلت عليه الأخبار المفسرة للآية الشريفة والأمر بالسبيل يراد به الجهر المتعارف والإخفات المتعارف من دون ذكر المتعلق فتكون مجملة بالنسبة أليه ولما ورد بعدم ظهور السنة في الندب وباحتمال إرادة النافلة من الصلاة .