انوار الفقاهة-ج8-ص84
بحث:وجوب القراءة شرعاً وشرطاً في الجملة في الفريضة ووجوبها شرطاً في النافلة إجماعي بل ربما يدعى إن ذلك من ضروريات المذهب وكذا تعين الفاتحة للقراءة شرعاً وشرطاً في الفريضة لا كلام فيه أيضاً وأما تعينها بشرط في النافلة فالأظهر الأشهر أنه كذلك وقد يظهر من بعض فقهائنا عدم اشتراط تعيين الفاتحة في النافلة وهو بعيد مخالف للأصل في توقيفية العبادة والمشهور والأخبار والاحتياط وأما وجوب سورة تامة بعد الحمد غير الحمد فهو الأقوى والأظهر الأشهر خلافاً لمن ندب السورة من أصحابنا ولمن اجتزأ ببعض منها للاحتياط وتوقيفية العبادة والحكم بجزئية ما شك في جزئيته وللإجماعات المنقولة والشهرة المحصلة من المتقدمين والمتأخرين وللتأسي الواجب بضميمة قوله ((): (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولمداومتهم عليها ومداومة أصحابهم وإتباعهم مداومة يعرف منها الوجوب لأن أكثر المستحبات ورد تركه في بعض المقامات عن الأئمة الأطهار (() ولأنها لو كانت من المستحبات لاشتهر حكمها وكان من الواضحات لتوفر الدواعي إلى بيان حكمها وإظهار رسمها وللأخبار المتكاثرة الآمرة بالقراءة فإن العدول عن الأمر بالحمد إلى الأمر بالقراءة الشامل لها وللسورة لا يخلو من مفهوم دال على وجوبها معاً وليس هو من قبيل المطلق والمقيد لظهور القراءة في إرادتهما معاً في الأخبار حتى كادت أن تكون حقيقة شرعية في قراءة الحمد والسورة وقد ورد في صحيح محمد بن مسلم القراءة في الصلاة فيها شيء موظف قال: (لا إلا الجمعة) فإنه من البديهي أن مورد السؤال هو خصوص السورة وفي آخر (إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً) فإن التعليل ظاهر بإرادة السؤال أو إرادتهما معاً وفي آخر (لا قراءة حتى يبتدأ بها) أي بالفاتحة فإنه ظاهر في أن القراءة هي وغيرها وللأخبار الدالة على وجوبها كقوله (() في صحيح زرارة (في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأه أم الكتاب) وفيه أيضاً (قام فقرأ بأم الكتاب وسورة) وفي صحيح معاوية بن عمار (من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد) ومفهوم صحيح منصور (لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر) ومفهوم صحيح الحلبي (بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شراً) ومفهوم صحيح ابن سنان يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحده ويؤيد الوجوب ما سيجيء من حرمة القران بين السورتين ومن الإجماع المنقول حتى من المخالف على وجوبها في صلاة العيد والجمعة وصلاة الكسوف وما ورد من سؤال محمد بن مسلم في الصحيح قلت أيهما أحب إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلاً يقرأ بسورة أو بفاتحة الكتاب قال: (بفاتحة الكتاب) فإنه يدل على معلومية وجوبهما معاً ذلك اليوم وكذلك صحيحة محمد بن إسماعيل قال: قلت: له أكون في طريق مكة تنزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب فتصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب وحدها أم نصلي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة فقال: (إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها وإذا قرأت الحمد و سورة أحب إلي ولا أرى بالذي فعلت بأساً فإنه لولا وجوبها لما جاز لأجلها ترك الواجبات الأخر وكذلك ما ورد من الأمر بالإعادة للصلاة أو للسورة لمن ترك البسملة من السورة فإنها ظاهرة في وجوبها بوجوبها وكذا صحيح الفقه الرضوي ويقرأ بسورة بعد الحمد في الركعتين الأوليتين إلى غير ذلك مما يفيد الفقيه الظن القوي الحكم بالوجوب احتج النادبون لها بالأصل وبما ورد في الصحيحين بجواز الفاتحة وحدها في الفريضة وبما ورد من جواز التبعيض اللازم للندب للإجماع المركب من كل من قال بالإيجاب قال بعدم جواز التبعيض ومن قال بجوازه بالاستصحاب قال بجوازه وبما ورد في الموثق صلى بنا أبو جعفر (() وأبو عبد الله (() فقرأ بفاتحة الكتاب وأخر سورة من المائدة فلما سلم التفت إلينا فقال: (إني أريد أن أحلكم) وغير ما ورد وهو مردود لانقطاع الأصل بتعين الشغل ولمعارضته الصحاح بما هو أقوى منها في مقام التعارض فلا يلتفت إليها ولا مكان حملها على حالة الاضطرار ويجوز معه ترك السورة بلا خلاف أو على التقية لموافقته لمذهب كثير من العامة ولأنها أساس كل بلية على أن أخبار التبعيض مطلقاً أو بعضها على التقييد بما كانت ست آيات منتصفة بين الركعتين كرواية أبي بصير وفي بعضها على الزيادة على الثلاث كقوله في الصحيح أيقرأ الرجل السورة في الركعتين من الفريضة قال: (لا بأس إذا كان أكثر من ثلاث آيات) وهذا التعليل لا يقول به أهل الندب فلا بد من طرحها أو حملها على التقية إذ حمل الأخير على قراءة السورة مكررة في الركعتين ويكون المدار بقوله أكثر من ثلاث آيات وصفاً موضحاً لأنه لا يوجد في السور إلا وهو أكثر من ثلاث آيات كما إنه تحمل الصحاح الواردة في جواز التبعيض مطلقاً في الصلاة على صلاة النافلة جمعاً ولا شك فيه حينئذٍ.