انوار الفقاهة-ج8-ص48
يسقط فرض الاستقبال في مواضع منها النافلة لو صلاها ماشياً أو راكباً سفراً أو حضراً كما دلت على جوازه الأخبار المتكثرة المستفيضة وكلام الأصحاب خلافاً لشاذ فمنع الصلاة في الحضر ماشياً وراكباً والأخبار ترده ويستحب التوجه إلى القبلة بتكبيرة الإحرام كما دلت عليه الصحيحة وقيل بالوجوب وترده الأخبار الباقية المطلقة وفيها ما يدل على الوجوب ولكنه أحوط عند الإمكان ويستحب أن يجعل إيماء السجود اخفض من الركوع وأن يحول وجهه إلى القبلة فيركع الركوع الحقيقي والسجود الحقيقي ولا يجوز حالة الاستقرار ترك الاستقبال لتوقيفية العبادة والمعهود من صاحب الشرع خلافه ومنها صلاة الخائف ماشياً أو راكباً أو في سفينة أو في المطاردة فإنه يسقط فرض الاستقبال عند عدم الإمكان ولو أمكن الاستقبال ببعض أجزاء الصلاة فلا بد منه إذ لا يترك الميسور بالمعسور ويجب تقديم تكبير الإحرام على غيرها ومنها صلاة المتحير إذا لم يتمكن من الأربع ومنها صلاة من لم يتمكن من النزول عن دابته من جهة أذى المطر كما ورد به النص خصوصاً ولا تجوز الصلاة على الراحلة اختياراً للإجماع والأخبار ولو كانت معقولة بحيث لا يفوت شيئاً من الاستقبال ولا الاستقرار وكانت مأمونة عن الحركة قدر الصلاة فلا يبعد جواز الصلاة عليها لشمول المقتضى لها وعدم دخولها تحت الدليل المنساق من الصلاة على الراحلة المنصرف لغير المستقرة كما هي عادة الرواحل ومع ذلك فالاحتياط يقضي بالترك حتى مع العلم باستقرارها واطمئنانها لحصول الشك في الصحة وانصراف الأمر بالاستقرار إلى الأرض وشبهها وأما السفينة المربوطة المستقرة عادة فيجوز الصلاة فيها اختياراً لوجود المقتضي وعدم شمول دليل المنع لهذه الصورة وأما السائرة إذا تمكن المصلي من الصلاة فيها من دون الإخلال أيضاً لوجود المقتي للصحة والأخبار عليه ولا يلزم من حركة ما يقصر عليه حركته المنافية فليس لما ورد في الأخبار المعتبرة من جواز الصلاة بالسفينة ومع السير ففي الصحيح فيمن يصلي في السفينة أمّا ترضى بصلاة نوح وفي آخر عن الصلاة في السفينة وهو يقدر على الجدر قال: (نعم لا بأس) ومع ذلك فالأحوط ترك ذلك لشبهة انصراف أدلة القرار والاستقرار للأرض وشبهها من المثبتات المستقرة وشبهة منافاة مسير السفينة لاستقرار المصلي فيها عرفاً ولاحتمال حمل أدلة الجواز على غير السائرة من السفن المربوطة الموثق بها لما ورد في حسن حماد عن الصلاة في السفينة وهو يقدر على الشط وللأخبار وان كان الأول هو الأقوى وان لم يتمكن امصلي من تمام الأفعال والاستقرار ولم يكن مضطراً فالأقوى انه لا يجوز له الصلاة في السفينة للاحتياط وللنهي عن تفويت الأفعال والاستقبال وللأخبار الناهية الظاهرة في هذا الفرد وما دل من الأخبار على الجواز فإطلاقه محمول على حالة الاضطرار كقوله (() في صحيح معاوية بن عمار عن الصلاة في السفينة قال:(تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلي كيف دارت قائماً فإن لم تستطع فجالساً لجمع الصلاة فيها إذا أراد ويصلي على القير والقفر ويسجد عليه) وقريب إليه خبر حماد بن عثمان (فإن استطاع أن يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا فليصلي قائماً وإلا فليقعد ثم يصلي) كما أشعرت به الأخبار الأخر كقوله (() في صحيح أبي أيوب الخرار: (إنا ابتلينا وكنا في سفينة وأمسينا ولم نقدر على مكان نخرج إليه) فإن ظاهرهم أن هذا الحال من أحوال الابتلاء والاضطرار وفي آخر هذا الصحيح (أما ترضى بصلاة نوح) وهو مشعر بأن سؤالهم إنما كان عن حال الاضطرار فالجواب على طرزه وفي آخر قريب إليه أيضاَ وفي آخر عن الصلاة عند الضرورة في الحمل قال:(هو بمنزلة السفينة) وهو مشعر بأنها من مواضع الاضطرار وكالمحمل والمقيد منه في حال الاختيار ضعيف محمول على حالة استقرارها أو مسيرها بحيث لا يختل منه جزء ولا يفقد شرط أو مطرحة لضعفها سنداً كما في رواية هداية الصدوق والفقه الرضوي.
فروع:
أحدها:لا فرق في هذه الأحكام بين الفريضة الأصلية والمنذورة لإطلاق الأخبار والاحتياط وأجاز بعضهم صلاة المنذورة على الراحلة مطلقاً لعدم انصراف لفظ الفريضة في الأخبار إليها إلى الأصلية ولرواية علي بن جعفر عن رجل جعل لله أن يصلي كذا وكذا هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر قال:(لا بأس) وبالطريق الأولى لو نذر أن يصليها على ظهر الدابة لعموم أدلة وجوب وفاء النذر والكل ضعيف لمنع عدم الانصراف للمنذورة ولضعف الرواية ولعدم لزوم نذر الصلاة على ظهر الدابة لو تعلق بها النذر بل أما أن يلغو الوصف فقط وينعقد الأصل فتعود فريضة لا تصلى على راحلة وأما أن لا ينعقد أصلاً ويحتمل قوياً انعقاده عند رجحانه فيلزم كونه على الدابة ولا يلزم منه وقوع الفريضة على الدابة لعدم تقدم وصف الفرض على الالتزام بكونها على الدابة بل وقعاً دفعة واحدة ولا بأس به.
ثانيها:يجب على المصلي على الراحلة ماشياً للخوف وما شابهها والمصلي في السفينة وما شابهها الإتيان بجميع فعله من جزء أو وصف مهما أمكن ولو دار بين تكبيرة الإحرام وغيرها قدم الاستقبال بها وإن أمكنه الإتيان بالأركان الاختيارية وجب وإلا أومأ والأحوط أن يجعل الركوع أخفض من السجود والأحوط أن يرفع إلى جبهته ما يصح السجود عليه مهما أمكن ولو لم يتمكن من السجود على الأرض في السفينة سجد على قيرها أو غطاه بترب وسجد عليه وروي أن من لم يتمكن من الاستقبال في السفينة صلى إلى صدرها.
ثالثها:يستحب تأخير الصلاة إلى آخر الوقت والأحوط التأخير لمن رجا زوال عذره لشبهة باب المقدمة والاحتياط وإن كان إطلاق الأخبار ينفي وجوبه.
القول في مكان المصلي:
وهو الفراغ الذي يشغله بدن المصلي ويستقر عليه ولو بوسائط أو ما يلاقي بدنه أو ثوبه أو ثيابه لذكرهم أحكام طهارته ونجاسته.