انوار الفقاهة-ج8-ص42
بحـث:لما كانت قبلة البعيد هي استقبال الكعبة عرفاً المسماة بالجهة في لسان الفقهاء كان المراد من قولهم يجب استقبال كل أهل إقليم للركن الذي يليهم فأهل العراق ومن والاهم وكان في جهتهم إلى الركن العراقي وفيه الحجر الأسعد وأهل الشام ومن والاهم وكان في جهتهم إلى الركن الشامي وأهل المغرب للركن المغربي وأهل اليمن لليماني ويعنون به سمت الركن وجهته لا نفسه وعينه ويراد بالركن مجموع صفحة البيت من أحد أرباعه المسامت لذلك الإقليم ومن كان بسمته لا نفس الركن الذي بين الصفحتين وقد ذكروا لأهل الأركان علامات دالة على الجهة المأخوذة من علم الهيئة ومعرفة الأرصاد وطول البلد وعرضها بالنسبة إلى مكة زادها الله تعالى شرفاً فلأهل الشام ومن كان بحكمهم جعل الجدي خلف الكتف الأيسر وسهيل عند طلوعه بين العين وعند غروبه على اليمين وبنات نعش عند غيبوبتها خلف الأذن اليمين ولأهل اليمن جعل الجدي بين العينين وسهيل عند غروبه بين الكتفين ولأهل المغرب جعل الجدي على الحد الأيسر والثريا والعيوق على اليمين واليسار ولأهل السند والهند جعل الجدي على الأذن اليمين وسهيل عند طلوعه خلف الأذن اليسرى وبنات نعش عند طلوعها على الخد الأيمن والثريا عند غروبها على العين إذا نزلت للمغيب بين العينين والنسر الطائر عند طلوعه بين الكتفين ولأهل المشرق ومنهم أهل العراق جعل المشرق على المنكب الأيسر وهو مجمع العضد والكتف والمغرب على الأيمن والشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن مما يلي الأنف والقمر ليلة السابعة من كل شهر عند غروب الشمس بين العينين وكذا ليلة إحدى وعشرين عند طلوع الفجر والجدي خلف المنكب الأيمن ولم يرد في هذه نص سوى كون الجدي علامة لأهل العراق وخص بالعراق لأن السائلين كانوا عراقيين فجوابهم على ما يحتاجونه في بلدهم إلا أنه ورد في الموثق (ضع الجدي في قفاك) وفي آخر (اجعله على يمينك وإن كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك) وكلاهما ضعيف السند والدلالة لخلوهما عما ذكروه من وضع الجدي على المنكب الأيمن وغاية ما يقضي به الجمع بينهما هو جعله خلف الكتف لا خلف المنكب الأيمن ولا يخفى ما بينهما من التفاوت على أنه قيده جماعة بما إذا كان في غاية الارتفاع والانخفاض لصيرورته حينئذٍ على دائرة نصف النهار وإذا لم يكن كذلك صار فيه انحراف لجهتي المشرق والمغرب وأنكر بعضهم ذلك مدعياً أن الجدي في جميع أحواله لا يبعد عن القطب الحقيقي بل هو أقرب إليه من كل نجم وخصه جماعة بأواسط العراق والكوفة وبغداد والحلة والمشاهد المقدسة لانحراف قبلتها عن نقطة الجنوب يسيراً إلى المغرب بخلاف البصرة ونواحيها فإن فيها انحراف كثير إلى المغرب فيوضع الجدي وبخلاف أطراف العراق الغربية فإن نقطة الجنوب الموصل وسنجار ونواحيها فيوضع الجدي فيها خلف الكتف الأيمن دون المنكب قليلاً، نعم تصلح أن تكون علامة هذه جعل الشمس على الحاجب الأيمن وجعل المشرق والمغرب على الكتفين سواء أريد بهما الاعتدال أو مشرق أو مغرب كل يوم بحسبه.
بحث:من عرف الجهة بقطعة وجب عليه إتباعه وإلا وجب عليه الرجوع إلى اجتهاده إن كان من أهله بالعقل ولا يجب عليه التعلم والاجتهاد للسيرة القطعية وخلو الأخبار عن ذلك ولزوم العسر والحرج لكافة الناس ومن لم يكن مجتهداً وجب عليه الرجوع لأهل المعرفة بعلم الهيئة أو للعارفين بالقبلة من شهرة مستفيضة وعمل مستمر بالنسبة إلى سائر بلدان المسلمين من نصب محاريبهم ودفن موتاهم وذبح ذبائحهم وتخليهم وصلواتهم ولو تعارض أهل المعرفة وأهل البلد أخذ بأقوى الظنين وإلا تخير والبلدان والمساجد إن علم فيها نصب محراب المعصوم والصلاة فيه على نحو نصبه أو دفنه أو عدم تغيره وجب إتباعه لأنه يفيد علماً بالجهة وإن لم يعلم ذلك بل كان مجرد نسبته وكان مشهوراً كان حكمه حكم محاريب باقي البلد ولا يجب مع العلم بصلاة المعصوم في محراب الصلاة فيه وعدم تجاوزه للعلم باستقبال العين من المعصوم (() ولا يجوز التعدي عنها لأنا لا نسلم وجوب استقبال المعصوم للعين وإن علمها إذا كان مستقبلاً للجهة ولو سلمنا فلا نسلم ذلك إلا إذا كان بالعلم البشري لا بالعلم الإلهي لعدم تكليف الشارع لهم بالأخذ بالعلم الإلهي ولم يثبت حصول العلم البشري ولو سلمنا فلا نسلم وجوب التوجه للبعيد لنفس العين إذا كان ممن يعلمها ولو لم يكن المصلي في بلد كأن يكون مسافراً وكانت في السماء علة وقد فقد البينة الشرعية وخبر العدل وجب الاجتهاد عليه في معرفة القبلة من الإمارات الأرضية أو السماوية والحدث بحيث يحصل له الظن فيعول عليه ولا تجب الصلاة إلى أربع خلا فالشاذ ووفاقاً للمشهور والإجماع المنقول ورفع العسر والحرج والصحيح يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة والموثق إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم قال: (اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك).