انوار الفقاهة-ج7-ص24
أحدها : تقبل الشهادة بنفس الاستفاضة المفيدة للعلم والمفيدة للظن في مقام يثبت بمضمونها الأمر المستفيض وكذا تجوز الشهادة بالمستفيض مع اقترانه بذكر السبب كي لا يلزم الاغراء للحاكم وهل تجوز الشهادة بالمستفيض القطعي عند الشاهد على وجه الإطلاق أو بالمستفيض الظني كذلك وهل يقبلها الحاكم لو اطلع على ان شهادته بمجرد الاستفاضة أم لا يقبلها أو يقبلها في بعض الصور دون بعض وتبنى المسألة على ان الشهادة يشترط فيها العلم في المشهود به حين الأداء كما صرح به الأصحاب سواء حصل له ذلك حين التحمل فاستمروا بعد التحمل الظني ويشهد به الإجماع وظاهر الكتاب والسنة وينبئ عنه لفظ الشهادة ويدل عليه ما جاء من النهي عن اتباع الظن وقوله( على مثل الشمس في آخر على مثل كفك فالأصل في الشهادة العلم إلا ما خرج بالدليل فعلى هذا لا يجوز للشاهد ان يشهد مع عدم العلم ولا تقبل شهادته ولو عرفنا ذلك منه ولو أطلق لفظ الشهادة مع الظن كان فسقاً وجرحاً والمراد بالعلم هو قطع الشاهد بما شهد به بحيث لا يحتمل عدمه احتمالاً عادياً فلا يقدح الاحتمالات البعيدة التي لا يعتد بها كالمصادرة من الأمزجة السوداوية والخيالات الصفراوية كسقطات الأشعرية والصوفية كما لا يدخل في العلم الظن المتاخم وان اعتبره الشرع في بعض المقامات وهل يشترط في الشهادة أداء وقبولاً إدراك المشهود به بأحد الحواس كالرؤية للمرئي والسمع والشم والذوق واللمس للمسموع والمشموم والمذوق والملموس وقد يعبر عن الجميع بالرؤية كما في خيار الرؤية فلا يكفي حصول العلم بالتظافر والتواتر والإجماع والقرائن القطعية العقلية والأدلة البرهانية في تأديتها ولا في قبولها عند الحاكم ان لزم العالم العمل بعمله أم لا يشترط يظهر من بعضهم اشتراط ذلك لأصالة عدم قبول الشهادة إلا بالمقطوع به ولا بناء لفظ الشهادة من ذلك لأنها الحضور ولظهور بعض الأخبار بذلك كما تقدم والأقوى عدم الاشتراط لأن الأصل مقطوع ولفظ الشهادة هي الإخبار عن علم فلا يدخل فيها الحضور والروايات محمولة على المبالغة لعدم قابليتها لتخصيص ما دل على ان الشهادة بالعلم كافية وفي رواية معاوية بن وهب اشهد بما هو عملك وخيال ان القطع قد يتخلف فلا يصح الاعتماد عليه معارض بما كان عن الحسي أيضاً على ان شهادتنا بالوحدانية والرسالة ووجود مكة والضروريات كله من ذلك القبيل نعم لو كان من سبب لا يفيد القطع غالباً كالقطع بخبر الواحد التقي الذكي واطلع عليه الحاكم فلا يبعد القول بعدم قبوله لمكان الاسترابة وكذا لو كان القطع لحدسيات وفراسات يقطع بها كثير من أهل الذكاء والفطنة فإن الأظهر فيه عدم القبول وعلى كل حال فلا يجب على الحاكم السؤال بعد ان يقول الشاهد اشهد بل ولو قال اقطع واعتقد فكذلك ومما ذكرنا ظهر ان شهادة الأصم في المرئي مقبولة كشهادة الأعمى في المسموع من غير ريبته فيهما لعدم مدخلية حاسة بأخرى بل لو حصل لها القطع فيما لا تدركه حواسهما جازت شهادتهما إطلاقاً منهما وقبولاً من الحاكم وما ورد في رواية جميل ان شهادة الأصم في القتل باول قوله ولا يؤخذ بالثاني معرض عنها أو محمولة على ان الثاني صدر بعد الحكم لعدم إمكان الأخذ بالأول مع فسخه قبل الحكم بالثاني أو يحمل على انه سمع قوله ولا يلتفت إلى حكاياته بعد ذلك لأن حكاياته كثيرة كما هو مشاهدا ويحمل على ان الثاني موافق فإذا كان موافقاً فلا حاجة إلى الاصغاء إليه لأن الأصم يكثر الكلام ويكرره فظهر ما ذكر ان الشهادة بالمستفيض القطعي جائز مقبول وداخل تحت العمومات.
ثانيها : الشهادة بالسبب الظني جائزة ومقبولة عند الحاكم فإذا ثبت السبب بالبينة حكم الحاكم بالمسبب كالشهادة باليد والاستفاضة وقد تقدم والشهادة بالسبب الظني غير معتبر شرعا لا يجدي نفعا كالشهادة بالمسبب المظنون الذي لا يعتبر ظنه ولو شهد والحال ذلك كان كذباً ولو اطلع الحاكم على ذلك رد الشهادة وما ورد في الخبر عن العالم ( إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه ولم تكن بينة إلا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن الشهادة فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما شهد له لئلا يتوى حق أمرء مسلم محمول على حالة علمه بالحال قبل ذلك أو من قول الفقه فظهر من ذلك ان الظن الشرعي لا يجوز لمن لزمه العمل به ان يشهد به إلا ان يذكر السبب فمدعي الفقر والسيادة أو النسب أو وضعا من أوصاف المستحقين لا تجوز الشهادة بفقره وسيادته وان لزم تصديق قوله نعم تجوز الشهادة بدعواه فيجري عليه حكم المدعي وتظهر الثمرة فيما لو نازعه منازع بفرقه وعسره لتعلق حق عليه فانه لا تسمع دعواه ولا الشهادة بدعواه.