انوار الفقاهة-ج7-ص22
لا يشهد الشاهد إلا بالجزم المستند إلى الحسن كالبصر والسماع والذوق واللمس والشم أو المستند إلى الضرورة أو القطع بالأدلة والبراهين كالشهادة بالوحدانية والرسالة أو التواتر ككثير من المتواترات أو تأخم ظنون وأمارات تقيد القطع كالشهادة بالإجماع المنقول ولا يجوز للشاهد ان يشهد مع الظن على الإطلاق للإغراء بالقبيح ومتى قرن شهادته بالظن أو عرفنا منه الظن ردت شهادته كل ذلك بالإجماع بقسميه على سبيل الجملة ولظاهر أدلة الشهادة والأمر بها وإلا لزام بقبولها حيث ان لفظها ظاهر في العلم والجزم والقطع ولخصوص الأخبار الخالصة الدالة على ان الشهادة على مثل الشمس أو يدع وانها على مثل كفك وللنهي عن اتباع الظن ولقوله تعالى : (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) في قولهم فشهد لعدم إيمانهم وجزمهم وهل تجوز الشهادة على الشيء الثابت شرعا على الإطلاق من دون ان يقرنها الشاهد بقرينة تدل على سبب الشهادة ومستندها فهل له ان يشهد بالشيء لاستصحابه أو يشهد به لقيام البينة عليه أو يشهد بالملك لقضاء اليد أو يشد به لقيام الشياع عليه حيث يعتبر الشياع فيه أو يشهد به لإخبار ذي اليد به أو يشهد به لكفاية الظن بإثباته كما يشهد بالإعسار لثبوته بالأمارات عنده وكما يشهد بالعدالة الكفاية حسن الظاهر أو المخالطة المفيدة للظن أو يشهد بملكات أجاز الشرع البناء فيها على الظن أو يشهد على ما قضى الأصل بثبوته كالطهارة والحل أو يشهد على ما جعل الشرع الظاهر دليلا عليه إلى غير ذلك ومقتضى تلك الضابطة عدم صحة الشهادة على الإطلاق إلا مع البيان للسبب نعم مع البيان يقع الكلام في قبول شيء وعدم آخر فيمكن قبول الحاكم للمشهود به القطعي كما يشهد الشاهد بوقوع القرض الذي هو سبب الدين ويحكم هو باستصحابه لا بنفس الشهادة به لاستصحابه وكما يقبل الشهادة باليد فيحكم هو بالملك لظاهر اليد وكما يقبل الشهادة بالشياع فيحكم بوقوع الشياع ولكن في كلام الأصحاب وبعض الأخبار اضطراب ويظهر من كلام كثير من الأصحاب جواز الشهادة بالشيء لمكان ثبوته عند الشاهد بالشياع كما تجوز الشهادة بنفس الشياع وكذا تجوز الشهادة بالملك لمكان ثبوته عند الشاهد بالتصرف أو اليد أو هما معا أو هما مع الشياع ونسب كما سيجيء إن شاء الله للأكثر وربما يظهر نقل الإجماع عليه وفي الأخبار ما يدل على جواز الشهادة بالملك لمكان اليد القاضية بالملكية كما يجيء إن شاء الله بل لا في بعض الأخبار جواز الشهادة بموجب الاستصحاب وان لم يشهد بنفس الأمر المستصحب ولم يذكر عند الحاكم مستند بشهادته ففي الصحيح الرجل يكون في داره ثم يغيب عنهما ثلاثين سنة ويدع فيها عينا له ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما احدث في داره ولا ما احدث له من الولد إلا أنا لا نعلم انه احدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد ولا تقسم هذه الدار وعلى ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل ان هذه دار فلان بن فلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان أو اشهد على هذا قال نعم قلت الرجل يكون له العبد والامة فيقول ابق غلامي وابقت أمتي فيؤخذ فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه أفنشهد على هذا إذا كلفنا ونحن نعلم انه احدث شيئا فقال ( كلما غاب عن يد المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به وفي التنقيح يكفي حصول العلم بالمشهود به حين التحمل وان جوز حصول العلم بالمشهود به حين التحمل وان جوز حصول التقيض فيما بعد في كثير من الصور كالشاهد بدين وفائه والشهادة بزوجيته امرأة مع تجويز إطلاقها بل يكفيه الاستصحاب وفي كلام جملة من الأصحاب جواز الشهادة بالإعسار ولمكان الأمارات المثبتة له وفي بعض الروايات جواز شهادة الشاهد بثبوت الحق أو الإقرار على امرأة يعرفها شاهدان يشهدان عنده وفي بعض آخر جواز شهادة الشاهد هي ما رواه بخطه وجماعة وان لم يذكر القضية ولم يعرف حالها ولم يذكر حقية خطه ولم يذكر كيف صدور الخط منه إذا شهد معه ثقة وكان المدعي ثقة وأفتى به جمع من الأصحاب ويظهر من كثير منهم الاكتفاء بانضمام ثقة إليه وان لم يكن المدعي ثقة وجميع ما ذكرنا مخالف لضابطة اشتراط العلم في الشهادة وان جوزنا إطلاق الشهادة فيه مع ذلك لزم الكذب والاغراء وان جوزناه مقيداً باستناده إلى الأمر الظني كانت من الشهادة الظنية المنافية لتلك الضابطة إلا ان نخرج من ذلك بالدليل وتمام البيان في هذه المقامات يحتاج إلى بيان أمور :
أحدها : لا تجوز الشهادة بما يثبت شرعاً عند الشاهد بالبينة العادلة وان تكثرت ما تبلغ الاستفاضة والشياع ينفع فيها كلام آخر يأتي إن شاء الله تعالى تجوز الشهادة عنهما تحملا من باب شهادة الفرع لا شهادة أصلية ونقل عن الشيخ جواز الشهادة بما يشهد به الشاهدان في مقام سماع الشهادة بالاستفاضة معللا بأن جواز الشهادة بالاستفاضة لمكان الظن المعتبر شرعاً عند الشاهد وهو بعينه حاصل بالبينة لجازت الشهادة بما قامت به البينة كما جازت بما جاءت به الاستفاضة وفيه أولا منع ثبوت المقيس عليه لأنا قد نمنع جواز الشهادة بالمستفيض عند الشاهد ما لم يبلغ حد العلم ما لم يبين السبب فيقول شهدت بذلك بالاستفاضة فيكون قرينة على إرادة الشهادة بالمضنون فيدفع بذلك قبح الاغراء والكذب اللازم عن ظاهر الشهادة لأن ظاهرها القطع ومع التصريح سبب الشهادة تكون الشهادة بنفس السبب وهي نفس الاستفاضة يثبت بذلك ما يثبت بالاستفاضة وينتفي ما لم يثبت بها وبالجملة فالجائز هو الشهادة باستفاضة المشهود به لا الشهادة بنفس المشهور لمكان استفاضة وثانيا نمنع كون العلة في المقيس عليه هو الظن بل لعل العلّة هو نفس الاستفاضة وهو الظن الخاص كما هو الظاهر أو ان الحكم تعبدي للدليل أو لمكان العسر والحرج نعم ورد في بعض الروايات جواز الشهادة على غير امرأة لا يعرفها الشاهد لمكان من يعرفها ولعلنا نقول به لمكان العسر والحرج وللرواية المشعرة بذلك فكأن الشرع اكتفى بالظن هنا في الشهادة وظاهر الرواية جواز الشهادة عليها بمجرد حصول الظن من العارفين بها وان لم يكونوا عدولاً ولكنه خلاف القواعد ومع ذلك فالحكم به من اصله مشكل للضوابط الدالة على لزوم القطع في الشهادة وللزوم الاغراء والقبح عند إظهار الشهادة من دون استناد إلى شهادة من يعرفها والتصريح به ومع التصريح به تكون كالشهادة المروية والمكاتبة الصغار الصحيحة الدالة على ان الامرأة المشهود عليها تتنقب وتظهر الشهادة بعد سؤاله عن جواز الشهادة عليها بشهادة رجلين عدلين إنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وظاهرها عدم جواز الشهادة بشهادة الشاهدين وهو الأقرب للقواعد ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار الاول على حالة العلم بشهادة الشاهدين لا على حالة حصول الظن بشهادتهما.