انوار الفقاهة-ج7-ص6
سادسها من شرط الشهادة العدالة وقد تقدم الكلام فيه واشتراطها دل عليه الكتاب والسنة والاجماع بقسميه والاعتبار يقدح فيها فعل الكبائر وهي ما كانت كبيرة بنظر الشرع ويكشف عنه فحاوي الاخبار وتتبع السير والاثار وما يظهر من مطاوي احوال الواعظ والخطباء يدا عن يد وما يلوح من فتاوى المتشرعة فان الكبير والصغير من الذنوب لا يخفى على العبيد بالنسبة إلى مواليهم ولا على الاصدقاء بالنسبة إلى مخالطيهم والعدالة في اللغة الاستواء الحسبي وعدا الانعواج ثم نقلت للاستقامة الدينية كما يسمى ما بين البخل والسرف الكرم وما بين التهور والجبن الشجاعة يسمى ما بين العصمة والفسق العدالة فهي استقامة خاصة ولما كانت هذه الاستقامة لا تكون ألا عن ملكة فالعدالة هي الملكة الناشئة عنها تلك الاستقامة كما هو المشهور في تعريفها او هي الاستقامة الناشئة عن الملكة وقد يناقش في لزوم تلك الاستقامة للملكة ويكتفي في العدالة بظهور تلك الاستقامة فقط واما ما يذكر في تعريفها انه حسن الظاهر او ظاهر الإسلام مع عدم ظهور ما يوجب الفسق فهو بعيد كل البعيد أن أرادوا التعريف الحقيقي وان زادوا الرسم ببيان انهما طريق لمعرفة العدالة فهو حسن واولهما الاحسن وعلى كل حال فللعدالة معنى شرعي عرفا هو في اللغة ولم يف ببيانه الاخبار يحمل فيما يشك في دخوله في مفهوم العدالة ادخلناه لانه يعود كالشك في الجزء العايد إلى الشك وفي الماهية مثلا لو وقع الشك في دخول المروة في مفهومها مضاف إلى فهم المشهور وفهم في معاني الالفاظ اتباعه مضافا إلى اعتبارها في الشهادة على المشهور ومعه يضعف الظن بالاطلاقات الشهادة فلا يتمسك بها على نفيها مضافا إلى أن في بعض الاخبار ما يؤذن بدخولها في العدالة كمن لا مروة له لا دين له مضافا إلى أن تركها كاشف غالبا عن قلة عقل أو عدم حياء أو عدم مبالاة واكتراث بالامور الحسية والاموال المردية وهو يلازم غالبا عدم المبالاة بالمعاصي وعدم الاكتراث ترك الطاعات مضافا إلى اشعار رواية ابن يعفور بدخولها في العدالة حيث أن فيها معروفا بالستر و العفاف وفيها ساترا لعيوبه وفي اخبار اخر أيضاً دلالة على ذلك ولا شك أن من لا مروة له ليس بساتر لعيوبه ولا معروفا بالستر ويشعر باشتراطها في الشهادة وان لم يدخل في العدالة ما ورد من رد شهادة السائل بكفه وورد شهادة الظنين وغير ذلك مما يعثر عليه المطلع بل قد يقال أن العدالة منقولة شرعاً للاستقامة في جميع الامور النفسانية والعادية فما خالف المروة لا يعد استقامة عرفاً ولكنه بعيد جداً لخروج البخيل والجبان والمتهور وكثير الغضب والجرأة والجهل والكلام والضحك وقليل المعرفة بالامور عن حد العدالة وعلى كل حال فالمروة اما شطر من العدالة أو شرط في قبول الشهادة وحد المروة هو اتباع محاسن العادات و الواجبات واجتناب مساويها مما يؤذن بدناءة وخسة النفس وقلة الحياء وعدم المبالاة وهي مختلفة باختلاف البلدان والاشخاص والاوقات والحالات والعلم والجهل والظاهر أن تركها بحكم الصغيرة فالذي يخل بالعدالة منها الاكثار من نوع واحد ومن انواع بحيث يعد في العرف مكثراً لا بنائها مما ذكرناه فلو وقع احيانا اولا مرض ورى أو لغرض اخروي ووقع مستحي منه عازم على عدم عوده اليه فلا باس مع احتمال أن حكمه حكم الكبيرة ويحتمل دوران امرها مدار الإصرار وعدمه من حيث الزم على عدم القول وعدمه وهذا هو المعنى المعروف في المروءة ههنا وربما ينبئ عنه كلام اهل اللغة من انها كمال الانسانية والرجولية وينبئ عنها الاخبار كقوله ( من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروئته وقوله ( المروءة اصلاح المعيشة وقوله( انها ستة ثلاثة في الحضر تلاوة القران وعمارة المساجد واتخاذ الاخوان وثلاثة في السفر بذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في المقاهي وقوله فمن ترضونه دينه وغيره وكذا الاية فان تارك المروءة لا يرضى ولا يرضى إلى غير ذلك وجميع هذا مما يلازم أو ينبئ عما عليه الفقهاء لانهم بين من عبر بانهالا هيئة نفسانية تحمل الانسان على الوقوف عند محاسن الاخلاق وجميل الافعال والعبادات ومنهم بانها هي الذي يصدق صاحبها نفسه من الادناس ولا بشنها بين الناس والذي يتحرز عما يسخر منه ويضجك به ومنهم انها سر صاحبها يسير امثاليه من زمانه ومكانه ومنهم قريب إلى ماذكرنا واهل مكة ادرى بشعابها فاتباعهم لازم واما قدح الصغيرة في العدالة فمشروط وبدون الاصرار لا تقدح كما لا يقدح ترك المندبات اجمع أو ترك صنف منها وكذا ارتكاب المكروهات اجمع والمداومة على ارتكاب صنف منها ألا إذا ابناء عن قلة المبالاة بالطاعات أو شدة التكاسل والتهاون فلا يبعد ذلك ولكن على اشكال أن لم ينعقد اجماع على ذلك أو يبعث على عدم المبالاة في الدين وعدم الاعتناء بشريعة سيد المرسلين ولا باس بترك فرد من المندوبات أو ارتكاب فرد من المكروهات واعلى من غير اشكال وجعل ابن ادريس كل ذنب مخلا بالعدالة ولم يفرق فوقها كبيرة بالنسبة إلى ما تحتها إلى أن ينتهي إلى ما لا فوق له وهو الكفر والى ما لا تحت له وربما لا يعرف وهو ضعيف لعدم تحقق العدالة حينئذ إلى من أو حدى الناس فان قال انها تتدارك بالتوبة قلنا هذا قل وقوعا من ذلك لعدم انفكاك الانسان غالبا الصغائر فلا تتحقق منه التوبة غالبا والعزم على عدم نقلها دائما مما لا يمكن اعتقاده من المكلف على أن التوبة تفتقر معرفتها إلى زمن طويل كي يعرف به اصلاح عمله فلم يمكن حصول عدلا لأنه بين ذنب وبين إصلاح العمل فمالايعلم الثاني حتى يجيئ الاول مضافا إلى أن الاقوى وقوع الصغائر مكفره باجتناب الكبائر فلا تقتصر إلى توبة نعم يبقى الكلام في الاضرار وهو في اللغة الدوام والثبات على الشيء ولزومه والظاهر انه في العرف العام والعرف الشرعي عن الاكثار في الذنب من دون تخلخل توبة أو مع تخللها ولكن بلغت في الكثرة حدا لا تسمى توبة بحيث لم يزل يفعل ويتوب والظاهر أن الاكثار العرفي فلا يتحقق بالثلاثة فقط ولا يتفاوت بين كون الاكثار من نوع واحد أو انواع متعددة ومثل الاكثار ايضا المداومة على فعل واحد يستمر على الأظهر ومثلهما على الاقوى فعل الصغيرة مع الغرم على العود عليها مسمى سيما لو تكدرت مع ذلك العزم أو فعل الصغيرة مع الغرم على فعل الصغائر مطلقا ويطهر من بعض الروايات انهما فعل الذنب مع عدم الاستغفار لقوله ( الاصرار من يذنب الذنب ولا يستغفر ولكنه يلزم منه الحرج و المتيقن من الاصرار هو الاكثار مع العزم على العود وبدونه واما مع العزم على العدم والندم فتلك التوبة وكون الاصرار على الصغائر كبيرة يدل عليها الأخبار بل والإجماع والأصول والقواعد ففي الخبر لا صغيرة مع الاصرار وفي الاخر لا يقبل الله تعالى شيئا من طاعة على الإصرار على شيء من معاصيه وفي خبر جابر الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار والظاهر أن المراد بالاستغفار والتوبة هو أن يعزم على الفعل ثانيا لا مجرد عدم التوبة للزوم العسر والحرج وفي اخر أن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثير ولو صدر الإصرار من العدل بعد ثبوت عدالته أو صدرت منه الكبيرة فان تكثر بحيث علم زوال الملكة منه كان حكم اختيار العدالة ابتداء وان صدر منه ذلك مرة فالاظهر كفاية المثوبة لاستصحاب الملكة غاية ما في الباب انه ارتفع حكمها بصدور الذنب فإذا تعقبه التوبة زال حكم الذنب فعاد اثر العدالة سليما عن المعارض ويحتمل زوال العدالة بالمرة فيحتاج إلى الاختبار والصحة لاثبات الملكة كالابتداء والأوجه انه على هذا يكون الاختبار اقل من الاخبار في الابتداء لسهولة عود الملكة لصاحبها وصعوبة الابتلاء وفي الخبر الوارد في القذف ما يدل على قبول الشهادة بمجرد التوبة وعدم الافتقار إلى اصلاح العمل وطول الصحبة ومثله اخبار اخر ومقتضاها أن التوبة بمجردها مقتضي لقبول الشهادة حتى ولو قلنا أن الكبيرة رافعة لنفس العدالة والحق أن يقال أن صحيحة ابن ابي يعفور المشتملة على ان تراه كذا وكذا تدل على لزوم إصلاح العمل بعد الفسق حتى اراه كما اتيته اولا لأن فسقه بالاثناء هدم الرؤية الاولى وهنا امور احدها المخالف في العقائد أن أرى خلافه إلى الكفر ردت شهادته لمكان كفره ولو قلنا بامكان معذوريته لعدم تقصيره في نظره اجتهادا أو تقليدا وكذا إذا ادى إلى كونه مخالفا غير أثنى عشريا والعذر في الاخرة لا يلزم منه قبول شهادة الكافر والمخالف وكل من انكر ضرورياً وعلمنا من حاله انه انكره مع ضروريته عنده وكذا لو كان قطعياً عنده فانكره لم تقبل شهادته بكفره حيث ابناء عن نفس انكار ما قطع به عن النبي ( فهو منكر للنبي ( وان انكره وعلمنا أن انكاره كان لشبهة قبلت شهادته مالم يكن مؤديا ذلك الانكار إلى الكفر كانكار النبي( أو العدل أو التوحيد فحينئذ من أنكر ضروريا في الفروع لشبهه كالصلاة أو الصوم أو عذاب القبر أو كون الصراط والميزان جسمين أو كون الثواب والعقاب كذلك وكان لشبهه لم يكفر ولا ترد شهادته وكذا منكر القطعي لشبهة وقد يقال أن إنكار الضروري بنفسه مكفرا بحسب الظاهر فان لم يكن مكفر وصاحبه غير مقبول الشهادة ولا يبعد ذلك سيما لو كان الانكار لضروري من ضروريات العقائد كالدعاء التفويض للائمة ونسبته الخالقية والرازقية اليهم ودعوى روحانية المعاد ودعوى معنوية الجنة والنار ودعوى كون الواجب جسما لا كالاجسام ودعوى الجبر في افعال العباد ودعوى الرؤيا بغير العين الباصرة ودعوى الحلول بل هذا هو الأقرب ومن انكر لضروري أو لقطعي ولم يعلم حاله انه هل كان لشبهه اما لا فمنكر القطعى فانه لا يحكم عليه بالكفر ولا بالفسق مالم يعلم انه مخالف ما هو قطعي عنده وعلى ما ذكرنا فمن انكر قطعيا أن عند غيره لا يجوز أن يفسقه ذلك ولا يرد شهادته ولو كان ذلك القطعي مما يقطع به اكثر المتأخرين كالاجماعات المعلومة والمتوترات المسلمة نعم لو عرف أن انكاره كان لتقصير في النظر حكم عليه بالفسق لتقصيره ومن اطلق الحكم يرد شهادة من خالف قطعيا أن اراد ما ذكرنا والا فهو و ألا غير مسلم.