انوار الفقاهة-ج6-ص62
الأولى: يجوز الإخراج من المالك بنفسه أو وليه مع عدم قابليته أو امتناعه بنفسه أو وكيلها للإجماع المنقول وللأخبار الآمرة بدفع الزكاة الظاهرة في إجزاء دفعها عن المالك وفي أن المالك هم المخاطب بإخراجها وأنه هو المباشر لذلك ولما ورد في جواز التبرع بدفع الزكاة عن المالك فمباشرته بنفسه أو بوكيله بطريق أولى ولما ورد في الصحيح عن رجل بعث إلى أخ له زكاته ليقسمها فضاعت قال: (ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان ونحوه غيره والسيرة المستمرة القاضية بصحة الوكالة من الغيب والمملوك والذين لا يباشرون الأموال أقوى شاهداً على صحة الوكالة والأحوط اتصاف الوكيل بالعدالة لأنه إيمان على تفريغ ذمته ولا تبرأ يقيناً إلا به ويقبل قوله في كيفية الإخراج والدفع من دون يمين ويجوز للمالك دفعها إلى الإمام (() أو عامله زمن الحضور بل يستحب سيما في الأموال الظاهرة لفتوى الأصحاب وأخبار الباب الدالة على إرسال العمال من النبي (() وأمير المؤمنين (() وتوجيه المرسل لأهل الزكاة وأخذها منهم وهو من الأمور البديهية ويقوم مقام عامل الإمام الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى من غير خلاف يظهر من الأصحاب ويستفاد أيضاً من استقراء مظان أبواب الفقيه كذلك يقوم مقام الإمام (() في أغلب ما يعود إليه من الأحكام وحكم جمع بالاستحباب ذلك كما يستحب دفعها للإمام (() وعللوه بأن الفقيه المأمون وهو الذي لا يتوصل إلى أخذ الحقوق بالحيلة الشرعية أبصر بمواقعها وأخبر بمواضعها وبأنه أقرب للاحتياط خروجاً عن شبهة من أوجب ذلك وأبعد عن الرياء من المالك وعن الميل الطبيعي والهوى لبعض المستحقين دون بعض ولا بأس بذلك في حكم السنين وذهب بعض أصحابنا إلى وجوب دفع الزكاة إلى الإمام أو نائبه أو الفقير في زمان الغيبة لقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً( سورة التوبة آية (103 ) ولا يجب الأخذ إلا أن يجب الدفع ويسري خطابه للأئمة (() ويجزي حكم الأئمة (() للفقيه الجامع وقد يستند لوجوب الدفع للنبي (() والأئمة (() بما ورد من أمر النبي (() والأئمة (() للعمال بأخذ الزكاة وتوجيههم له في الأطراف والأمر بنقل المال إليهم والكل ضعيف لعدم استلزام وجوب الأخذ لوجوب الدفع بل الظاهر من وجوب الأخذ هو وجوبه حالة الامتناع وعدم الدفع فيكون ظاهراً في كونه من الواجبات المشروطة ولأن وجوب الأخذ لو استلزم وجوب الدفع كان اللازم الوجوب التخيري بين الدفع بنفسه وبين الدفع إلى الإمام (() جمعاً بين الدليلين ولأن وجوب الأخذ إنما يتحقق بتحقق المأخوذ فمعناه إنه مع وجوده وطلبه من الإمام يجب الأخذ ومع طلب الإمام (() نقول بوجوب الدفع إذا كان موجوداً لم يدفعه المالك قبل ذلك وهو لا ينافي جواز الدفع قبل طلبه منه (() ولأن إرسال العمال لا يقضي بوجوب الدفع إليهم ولئن قضى بذلك فإنما يقضي بوجوبه مع طلبهم له وهو لا كلام فيه لأن النبي (() والأئمة (() مفترض الطاعة وتحرم معصيتهم فإذا طلبوا الزكاة وجب إجابتهم ولا يجوز الدفع حينئذ إلى غيرهم بل الظاهر أن المالك لو دفع إلى غيرهم كأن دفعه فاسداً لتعلق النهي به لأن وجوب طاعة النبي (() وتحريم مخالفته يقضيان بتحريم الدفع إلى غيره وأوامر دفع الزكاة تقضي بالإيجاب فيجتمع الأمر والنهي في موضوع واحد والنهي قاض بفساد المنهي عنه وقد يعلل بأن وجوب الدفع إلى النبي (() قاض بالفساد وهو مبني على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصة وبأن العبادة إذا لم يؤتَ بها على وجهها لم تكن مجزية والدفع إلى غيره مع طلبه ليس مأتياً به على وجهه فلا يكون مجزياً وهو راجع إلى ما تقدم هذا كله فيما لو كان الطالب لها النبي (() والأئمة (() وعمالهم الخاصون ولو كان الطالب الفقيه الجامع للشرائط فلا دليل على وجوب إجابته لأن عموم نيابته حتى في امتثال أوامره لا شاهد لها بل الشاهد على خلافها لان وجوب الطاعة حق للنبي (() في أوصيائه من حيث النبوة والوصاية فلا تنتقل إلى غيرهم كما لا تنتقل حق الأبوة لغيرالأب والأحوط الرجوع بها إلى المجتهد تغضياً عن شبهة الخلاف سيما مع طلبها لها والأحوط تطلب المأمون الذي لا يستعمل أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية لأن في غير المأمون نقص في الهمة وانحطاط عما أهمله الشارع له ومنافاة للمروءة وفي الدفع إليه إضرار بالمستحقين ونقص للحكمة التي شرعت الزكاة لأجلها.
الثانية:لا يجب البسط على الأصناف السبعة ولا التوزيع على أهلها فيجوز دفعها لواحد من أهل صنف واحد للإجماع بقسميه ولما ورد في تقسيم الزكاة إنه قال: (ليس في ذلك شيء مؤقت) وفي الصحيح له قرابة كلهم يقولون بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته قال: (نعم) وما جاء في جواز دفع الزكاة كلها في العبد المسلم في ضرورة يشتريه ويعتقه وما جاء في جواز احجاج المولى والأقارب من مال الزكاة الظاهر في صرفها فيه أجمع وغير ذلك وما حكم به بعض العامة من وجوب البسط لمكان اللام المفيدة للملك والواو الدالة على التشريك في الآية الشريفة لا وجه له لوجوب الانصراف عن الظاهر مما ذكرناه ولا بد فيها من العدول عن الظاهر وإليه يرجع ما أجيب به من أن جعله جملة الصدقات للأصناف السبعة لا يقضي بجعل كل جزء من أجزائها كصدقة زيد مثلاً موزعاً على كل صنف منهم ومن أن اللام للاختصاص لا للملك فلا تقضي بوجوب البسط ومن أن الآية لبيان المصرف لا للبسط والتوزيع وهذا كله تأويل يسوقنا إليه الدليل ولو أريد به بيان الظاهر كان خلاف الظاهر وتطرق إليه الشك والترديد والمنع والتفكيك نعم يستحب البسط إذا لم يعارضه رجحان أو مرجح آخر لفتوى الفقهاء بذلك ويكفي في المندوب ما هنالك ويستحب تفضيل أهل الفضل لما ورد (أعطهم على الهجرة في الدين والفقه) وفي الصحيح (يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل) ويستحب تخصيص صدقة المواشي للمتجملين وغيرها لغيرهم كما جاء في الخبر ويقبل قول المالك لو أدعى الإخراج لما ورد من نهي الساعي عن مراجعة المالك إذا قال لا حق لك عندي والسيرة بل الإجماع القاضي بقبول قول مدعي التأدية بعد تعلق التكليف كما يقبل قول منكر الشغل لعدم المال أو لعدم حول الحول أو لعدم شرط من الشرائط أو لوجود مانع من الموانع.