انوار الفقاهة-ج6-ص52
الثالثة:المضطر إلى صرف ما استدانه في المعصية والمجبور والناسي والجاهل بالموضوع بل الجاهل بالحكم مع عدم التفطن على الأظهر لا يدخلون تحت عنوان الاستدانة في المعصية ومن جهل حاله لو جهل حال نفسه جاز الدفع إليه من دون وجوب الاستفسار في الأول وجاز أن يأخذ من دون وجوب التفحص عن حال نفسه كل ذلك لأصل الصحة في تصرف المسلم وللزوم العسر والحرج في الاستفسار والتفحص لصعوبة الاطلاع على النيات وعلى موارد جزئيات التصرفات ولظهور الأخبار في أن المدار على حسن الظاهر في جميع الأحوال والأطوار ولإشعار قوله (() في الخبر (لم يكن بمفسد ولا بمسرف) وقوله ((): (لم يكن في فساد ولا إسراف) في ذلك للقطع بعدم علمهم لجميع الصادرة عن الشخص بل إنما حكموا بذلك من جهة حسن الظاهر وعن الشيخ القول بالمنع عند عدم العلم بالمصرف وربما كان مستنده رواية محمد بن سليمان وفيها قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله عز وجل أم في معصيته قال: (يسعى في ماله وترده عليه وهو صاغر) وهي ضعيفة سنداً ودلالة الإجمال هو بين الدافع والمدفوع إليه ولعدم منافاة السعي لجواز الدفع والأخذ ولعل من أفراده سؤال الإمام (() وقد يؤيد المنع بان الشرط في جواز الدفع من سهم الغارمين كون المصروف فيه طاعة والشك في الشرط شك في المشروط وفيه منع كون الشرط الصرف في طاعة الله تعالى بل الصرف في المعصية هو المانع والأصل عدم المانع وتعليق الجواز في الأخبار على ما إذا كان الصرف في الطاعة لا يراد به بيان الشرطية بل بيان إن بها توقع المانعية كما ظهر من سياقها على أن أصالة الصحة لفعل المسلم تصيره طاعة إن لم يكن في الاسم فهو طاعة في الحكم تنزيلاً لما قضى به الأصل منزلة الواقع كشهادة العدل وخبر ذي اليد فيصدق على المجهول صرفه في طاعة بالأصل ويجب اتباعه بشهادة التتبع والاستقراء.
الرابعة:صرح جمع من الأصحاب بأن الغارم أما لمصلحة نفسه فيشترط فيه الفقر والاحتياج إلى القضاء وأما لمصلحة ذات البين بين الشخصين أو قبيلتين لقتل بينهما لم يظهر قاتله أو إتلاف مال كذلك فهذا يعطي غنياً كان أو فقيراً لقوله ((): (لا تحل الصدقة لغني إلا خمسة عاد في سبيل الله تعالى أو عامل عليها أو غارم) وذكر (رجلاً تحمل حمالة) وفيما ذكروه نظر لمنع اشتراط الفقر أولاً بالاكتفاء بالاحتياج إلى الوفاء والقضاء في جواز الدفع من سهم الغارمين ولا ينافي ذلك كون الزكاة إنما شرعت لرفع الخلة والاحتياج لتحققهما بذلك ومنع جواز الدفع للمعنى إذا كان متمكناً من الوفاء بما يزيد على مؤونة سنته لما استدانه في إصلاح ذات البين لعدم الدليل عليه سوى الرواية المتقدمة وهي ضعيفة سنداً ودلالة ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن ينوي دفعها الرجوع إلى الزكاة أم لا نعم يجوز في الابتداء الدفع من سهم السبيل لإصلاح ذات البين وشبهه وذلك حكم آخر وقد يقال بجواز أخذ المجتهد من سهم الغارمين أو من سهم سبيل الله لو دفع مالاً في المصالح العامة بنية الرجوع على الحقوق العامة من ماله أو من مال غيره مستديناً له لتنزيله منزلة العوض لأهل الجهة فيقبل منهم بالولاية عند الوفاء ولكنه يحتاج إلى فقه متين وفقاهة واسعة.