انوار الفقاهة-ج6-ص42
الثانية:الفقر والمسكنة المبيحان لأخذ الزكاة ويجمعهما عدم الفساد وهو عرفاً وشرعاً أو شرعاً فقط من لا يملك مؤنة السنة سنة هلالية إن لم ينكسر شهر منها وأجد عشر شهراً هلالياً مع شهر عددي ملفق له ولعياله على التفصيل الآتي لفتوى المشهور بل كاد أن يكون مجمعاً عليه وللإجماع المنقول ولصدق الفقير عليه عرفاً وللخبرين في أحدهما تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة والمراد بالقوت المؤنة إذ لا قائل وإن المدار عليه فقط وفي الآخر عن السائل وعنده قوت يوم أيحل له أن يسأل وأن أعطي شيئاً قبل إن يسأله أيحل له أن يقبله قال: (يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة لأنهما إنما هو سنة إلى سنة) وللصحيح إلى أبي بصير في صاحب السبعمائة وفيه (ولا يأخذ إلا أن يكون عقد على السبعمائة بعدها في أقل من سنة) وللأخبار الدالة على أن من له كفاية لا يأخذ الزكاة ومن لم تكن له كفاية أخذها وظاهرها المراد بالكفاية على كفاية السنة كما هو المفهوم من إطلاق هذا المركب عرفاً لأن الكفاية على الدوام لا يعرفها إلا العلام ولا تناط بها الأحكام ولم يفت بها إلا الإعلام سوى الشيخ (() وتنزل عبارته على فتوى المشهور من إرادة السنة من لفظ الدوام أو على إرادة الدوام العرفي في الغالب كأهل التجارات العظام والحرف العالية وأهل البساتين والعقارات الكبار فإن الغالب بقاؤها ووفاء نمائها بأهلها إلى أن يموتوا والحال وإلى أولاد الأولاد والغالب بقاء الصنعة والحرفة دائماً بدوام عمره وهذا لتنزيل جيد لولا إعراض الأصحاب عن الأخذ به مع كثرة ما يشعر به من ظاهر الروايات ولزوم قلة المعنى وكثرة الفقير المعلوم خلافها من السريقة والطريقة ولزوم إعطاء الزكاة لغير أولي الحاجة عرفاً لأن المالك لمؤنة السنة ليس من أهلها عرفاً ولزوم إعطاء الزكاة لغير الفقير عرفاً والحكم المعلق على ذلك كتاباً وسنة ومتى بطل هذا التنزيل لزم رد هذه الأخبار للقول المشهور وبطل ما بنى عليه بعض المتأخرين من العمل بظاهرها واتباع ظاهر فتوى الشيخ كما بطل قول من قال أن الغني هو من ملك نصاباً زكوياً استناداً للنبوي عليهم (إن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد لفقرائهم) فعلم إن من يؤخذ منه الصدقة غني ولا من يملك نصاباً وجب عليه دفعها فكيف يحل له أخذها فيلزم التنافي وفي الخبر ضعف سنداً ودلالة لظهور مورده مورد الغالب في التعليل مع المنافاة شرعاً وعقلاً وعرفاً وما ورد في خبر زرارة (لا يحل لمن عنده أربعون درهماً يحول عليها الحول عنده أن يأخذها) لا عامل عليه ولا قائل به وكأنه محمول على من حالت عنده الأربعون لزيادتها عليه لأنه مالك لقوت سنته.
الثالثة:من كانت عنده غلة يستنميها أو دراهم يديرها لينتفع بربحها ولم يكفه الاستنماء والربح لمؤنة السنة جاز له أخذ الزكاة أما لكونه فقيراً عرفاً أو لكونه فقيراً شرعاً أو لكونه بحكم الفقير للأخبار المتكثرة الدالة على ذلك المعتضدة بفتوى الأخيار ففي الصحيح عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال فهو يتحرف ولا يصيب نفقته فيها أيكسب فيأكلها أو يأخذ الزكاة قال: (بل ينظر إلى فضلها يقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك ومن عياله ويأخذ البقية من الزكاة أو ينصرف بهذه ولا ينفقها) وفي آخر فيمن له ثلاثمائة درهم في بضاعة فإن أقبل عليها أكلها عياله قال: (فلينظر ما يستفضل منها فليأكل هو و من تبعه ذلك وليأخذ لمن يسعه من عياله) وفي آخر عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم قال: (نعم إلا أن يكون داره دار غلة فيخرج من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد أحلت له الزكاة فإن كان غلتها تكفيهم فلا) وفي آخر (قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهماً) قلت: وكيف هذا قال: (إن كان صاحب السبعمائة له عيال كثيرون قد قسمها بينهم لم تكفيهم فليعفف نفسه وليأخذها لعياله وأما صاحب الخمسين فإنها تحرم عليه إذا كان وحده وهو محرف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه).