انوار الفقاهة-ج6-ص35
الأولى:وقت إخراج الفريضة بعد التصفية في الزرع وبعد الاختراف والاقتطاف في التمر والزبيب من غير خلاف يعتد به والمراد به الوقت الذي لو أخر عنه ضمن إذا كان التأخير من دون عذر أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك بالزكاة فيه لأن ما قبله وقت للإخراج قطعاً كما يرشد إليه قوله ((): (إذا أخرجه أخرج زكاته) وتجويزهم إخراج الواجب والتمر على رؤوس النخل وجواز مقاسمته الساعي للمالك قبل الجذاذ وغير ذلك وأما وقت مبدأ الوجوب والتعليق الذي لو فرط المالك بالمال قبله لم يضمن للفقراء شيء ولو أدى قبله لم يكن مؤدياً شيئاً فقد قيل هو بلوغ الغلة مبلغاً يصدق عليه اسم الحنطة والشعير والتمر والزبيب لتعليق الحكم في الأخبار وفتوى الأصحاب على هذه الاسماء فيدور الحكم مدار صدق الاسم وجوداً وعدماً ولا تصدق هذه الأسماء حقيقة بحيث يعلم ذلك ويقطع به أصلاً البراءة في التمر والزبيب إلا إذا جفت ثمرة النخل وانتقلت عن اسم الرطب عليها وجفت ثمرة الكرم وانتقلت عن اسم العنب كما نَصَّ عليه اللغويون ويشهد به العرف وقال في المصباح المنير التمر تمر النخل كالزبيب من العنب وهو اليابس بإجماع أهل اللغات وفي الصحاح والمجمع وغيرهما أيضاً ما يقضي بذلك أيضاً وما يوهم خلافه من كلام صاحب القاموس لا يعارض ما ذكرناه وفي الحب إلا إذا اشتد وانعقد وجف بحيث كان حباً متميزاً متماسكاً جافاً وقيل هو بدو الصلاح ففي الحب اشتداده وانعقاده والفرق بينه وبين معناه الأول دقيق جداً لا يكاد يميزه إلا أوحدي الناس في زمان يسير وفي التمر احمراره واصفراره وفي العنب صيرورته حصرماً وهذا القول منسوب للأكثر والأشهر والظاهر إن الشهرة عليه محصلة ويظهر من المنتهى نقل الإجماع المتقدمين ولعمومات وجوب الزكاة في المال ووجوبها فيما سقت السماء وأنبتت الأرض مما يكال ويوزن خرج ما قبل ذلك ويبقى الباقي ولأن الزكاة لو لم تجب إلا بعد التمرية والعنبية لاشتهر غاية الاشتهار لتوفر الدواعي لاشتهاره كيف وقد اشتهر خلافه فتوى وعملاً وسيرة مأخوذة يداً عن يد في كثير من المقامات ولما خفي على الناس وجه التخلص من الزكاة قبل صدق التمرية والعنبية بجعلهما دبساً أو نقلهما أو رهنهما ولصدق الحنطة والشعير عند الانعقاد عرفاً وكذا صدق التمر على البسر عرفاً فيلحق بهما العنب وإن لم يصدق عليه الزبيب لعدم القول بالفصل ولنص بعض أهل اللغة مع تسمية البسر تمراً والأصل في الاستعمال الحقيقة ولا قائل بالفصل بينه وبين العنب في الحكم ومنع الصدق العرفي أو تسليمه وجعله منصرفاً للفرد الظاهر منه وهو اليابس لا نسلمه لصدق التمر اليوم على البسر والرطب وكذلك لا نسلم انصرافه للفرد الخاص دون غيره وإن كان الفرد الخاص أظهر وأشهر والمعاوضته بأقوال اللغويين النافين لصدق التمر على الرطب والبسر لا تصلح لرفع ماعليه العرف لان العرف مقدم على اللغة و لا تصلح لرفعه ما أثبته الآخرون لأن المثبت مقدم على النافي والوضع للقدر المشترك جزء من الحقيقة والمجاز ويدل على هذا أيضاً الأخبار فمنها الصحيح ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أو ساق والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيباً فأن عدوله عن التمر إلى النخل الظاهر في جميع أفراده مجاز ما عدا ما قبل البسرة دليل على إرادة جميع الأفراد ما عدا قبل البسر وكذا قوله (والعنب مثل ذلك) يعني فيه الزكاة إذا قدر بعد صيرورته زبيباً خمسة أو ساق ولكنه لا يخلو من إجمال أولاً من جهة أن اشتراطه بذلك القدر عند عروض وصف الزبيبية يفهم منه أن بلوغه ذلك قبلها حين وصفه بالعنبية لا يوجب الزكاة لا يخلو من إشكال وثانياً إن احتمال إرادة أن العنب عند صيرورته زبيباً تجب فيه الزكاة إذا بلغ خمسة أو ساق قائم بل مساو للأول لأن إطلاق العنب على ما يؤول إليه مجاز شائع ومع هذا الاحتمال يقوم الإجمال ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ((): (لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى يبلغ وسقين) والوسق ستون صاعاً ويضعفه اشتماله على ما لا نقول به ومنها صحيحة سعد بن سعد وفيها فقلت: فهل على العنب زكاة وإنما تجب عليه إذا صيره زبيباً قال: (نعم إذا خرَّصه أخرج زكاته) فسؤاله عن العنب بعد ذكر الزبيب سابقاً نص في ثبوت الزكاة عليه وكذا تعليق الإخراج على الخرص وهو على ما هو المشهور إنما يكون في حال البسر به والعنبية لانحصار ثمرته في ذلك الوقت لأن فائدته على المشهور وجواز التصرف من المالك إذا عرف الخارص قدره تمراً وزبيباً وضمنهم حصة الفقراء أو جعلها في أيديهم إخافة وبعد صيرورة الثمرة تمراً أو زبيباً يحل وقت جذاذها فلا معنى لخرصها على أن تأخير الخرص إلى ذلك الحال يؤدي إلى تساقط الثمرة من هبوب الرياح وغبار الأهوية فتقل فائدته ولأن الزبيب لا يكون زبيباً إلا بعد أن يصرم ويقع على الأرض ومع ذلك يكون مكيلاً أو موزوناً فلا يجوز خرصه ودعوى أن فائدة الخرص مجرد معرفة ما يؤخذ من المخروص بعد صيرورته تمراً أو زبيباً فلو لم يصير لم يؤخذ منه لا جواز التصرف لا وجه لها لأن جواز التصرف من المالك مما يمنع جواز الأخذ بالخرص ويوجب الرجوع إلى قول المالك ومعه تقل الفائدة حينئذ على أن الرواية صريحة في وجوب الإخراج عند الخرص فلا معنى لردها ومنها الصحيحة الأخرى عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها قال: (إذا صرم وإذا خرص) بحمل وقت الصرم على وقت الخرص على غير المعتاد لعدم إمكان اتحاد وقتهما لما بين الصرم والخرص من المدة بناء على أن الخرص حالة البسرية والعنبية وقد يحمل وقت الخرص على وقت الصرم عند صيرورة الثمرة عنباً وتمراً على رؤوس الأشجار والنخل بقرينة ذكره بعد ولا أقل من الإجمال فيسقط معه الاستدلال وبالجملة فإن الاستناد إلى الروايات لا يخلو من قصور والعمدة اعتضادها بالاحتياط وفتوى المشهور.
الثانية:تجب الزكاة إذا ملك النصاب قبل تعلق الوجوب بأي نحو كان من أنواع التمليكات ولا يشترط التملك بالزراعة كما يظهر من المحقق (() لأنه خلاف الإجماع فلابد من تنزيل كلامه على ذلك ولو تقارن الملك مع زمن الوجوب قوي القول بنفي الزكاة عن المنتقل إليه والمنتقل منه ولكن الأحوط ثبوتها على المنتقل إليه وتقل فيه الثمرة لقلة وقوعه.