انوار الفقاهة-ج6-ص23
الحول للإجماع بقسميه وللأخبار الدالة على أن ما لم يحل الحول عند دبه فلا شيء عليه والحول لغة وعرفاً هو اثنا عشر شهراً هلالياً تامة إن ملك النصاب في أولها وأحد عشر هلالية وشهراً ملفقاً عددياً لا هلالياً إن ملك في أثناء الشهر الهلالي وكان الكسر معتداً به ولو كان يسيراً احتمل اسقاطه واحتمل إتمامه بمثله أو بيوم تام وليلة تامة ويراد بالحول هنا وضعاً شرعياً أو مجازاً كذلك اثنا عشر هلالاً وإن لم يتم الثاني فيكتفي بأحد عشر شهراً هلالياً وهلال الثاني عشر لفتوى المشهور والإجماع المنقول وقوله (() في الصحيح إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت عليه الزكاة إنما الكلام في هلال الثاني عشر عليها هل يستقر به الوجوب ويعتبر إجتماع الشرائط المشروط استمرارها في طول الحول فيتم به حينئذ الحول الأول ويكون بقية الثاني عشر مما يعد الهلال داخلاً في الحول الثاني أو إن هلاله بسبب تعلق الخطاب وصحته الأداء على وجه التزلزل فإن استمر الثاني عشر جامعاً لشرائط الحول والعين باقية إلى تمامه تبين تعلق الوجوب واقعاً وظاهراً وإلا بان انخرم شرط من الشرائط في ضمن الثاني عشر تبين عدم الوجوب من أصله لفقد شرطه المـتأخر كحدوث الحيض في أثناء النهار للصائمة وكذا الموت في أثناء الصلاة والصيام ويكون طريق بينته على أحد وجهين أما على وجه الانكشاف أو على وجه التأثير في دفع الوجوب المتقدم قولان قيل بالأول استناداً للصحيح (إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت فيه عليها الزكاة) ومورده وإن كان الفرار من الزكاة ولكنه مخصوص بحكمة اتفاقاً خلافاً لبعض المتأخرين حيث طعن في دلالته ووهنه بديهي ووجه دلالته على كون الحول أحد عشر وجزءاً من الثاني عشر هو أن الفاء فيه للتعقيب بلا مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه والمناقشة بعدم إفادة الفاء الجزائية التعقيب لا تفيد لكفاية اشتراط تحقق الدخوليه الثاني عشر لتحقق حول الحول ولأن حال فعل ماضي لا يصدق الإتمام مبدأه فإذا كان تمام الأحد عشر والدخول في الثاني عشر حولاً على وجه الحقيقة الشرعية أو المجاز الشرعي كان جميع ما دل على استمرار الشرائط في الحول واشتراطه في الوجوب مراد به ذلك ولأن وجوب الزكاة في الخبر بدخول الثاني عشر دليل على أنه بدخوله يحول الحول إذ من المعلوم أن الوجوب مشروط بحول الحول على المال متصفاً بالشرائط فيلزم منه دخول الثاني عشر حولاً لأن ظاهر الوجوب هو الوجوب المستقر ولأن فتوى الأصحاب والإجماع المنقول على تحقق الوجوب بمجرد دخول الثاني عشر ظاهراً في انقضاء الحول به واحتساب ما بعد ذلك من الحول الثاني وعلى هذا القول فلا يجدي الفرار ولا انخرام أحد الشرائط بعد هلال الثاني عشر ويحتسب باقيه من الحول وقيل بالثاني استناداً لإطلاق الأخبار المشتملة على اشتراط الحول والعام والسنة التي هي حقيقة في الاثني عشر شهراً تامة لا كسر فيها فيكون الشرط تمامها فتحسب جميع أيام الشهر الثاني عشر من الحول وغاية ما يلزمنا من جهة ورود الرواية المعول عليها بين الأصحاب ولمنقول الإجماع على العمل بمضمونها الحكم بالوجوب بعد هلال الثاني عشر وهو أعم من المستقر والمتزلزل لمعارضته بما هو أقوى منه من إطلاقات الحول والعام وشبهها الواردة في الشرائط وهي وإن اقتضت عدم الوجوب أصلاً لأن المشروط عدم عند عدم شرطه لكنها تقيد بعدم استقراره جمعاً بينها وبين الصحيحة والإجماع المنقول وإطلاق فتوى المشهور والتجوز بلفظ الوجوب في الرواية وحمل الحول فيها المحكوم به في دخول الثاني عشر على المجاز أيضاً من باب المقاومة والمشاقة خير من حمل لفظ الحول وما شابهه في الأخبار المتكثرة على المجاز الشرعي لبعده في لفظ الحول ودعوى ثبوت حقيقة شرعية للفظ الحول فتقدم على غيرها من المعاني في الأخبار من المستبعد في الأخبار وكلام الأصحاب لأن ثبوت الحقيقة الشرعية على القول بها إنما هو في ما ثبت كونه حقيقة الآن ولم يعلم حاله قبل ذلك والحول ليس كذلك ومع البناء على التجوز بلفظ الحول لا بد أن يقتصر فيه على ما دلت عليه القرينة واستفيد من اللفظ على الوجه المقطوع به أو المتيقن منه وهو تعلق الخطاب بدخوله وأما استقراره واحتساب الباقي منه من الحول الثاني فلا يدل عليه اللفظ على أن الحكم باستقرار الوجوب بعد هلال الثاني عشر يستلزم أما ضيق وقت الوجوب إن جعلناه لحظة ومثلها وهو بعيد وأما أخذ كل حول مما بعد هلال الثاني عشر قدر زماناً يعتد به كنصف يوم أو شبهه وهذا لا يقولون به وأما جواز التأخير عن وقت الأداء اختياراً إلى وقت القضاء لصيرورتها بعد اللحظة قضاء وهذا لا يلتزمون به وأما بقاء الوجوب موسعاً إلى تمام الشهر كما يظهر من جماعة منهم واحتساب الحول من بعد تمامه إلى السنة الأولى وهذا خلاف ظاهر قولهم وفتواهم سوى المحقق الأردبيلي حيث التزم باستقرار الوجوب بدخول الثاني عشر ومع ذلك احتسب باقيه من الحول الأول وكأنه تمسك بإطلاق أدلة الحول في الاحتساب وبقولهم فإذا تم الثاني عشر شهراً استأنف الحول وبأن الظاهر إن وقت وجوب الفريضة لا يحتسب من غيرها ولكنه ضعيف لمخالفته لكلا الفريقين كذا أشار إلى ذلك بعض المتأخرين وفيه نظر لجواز كون الوجوب موسعاً إلى تمام الثاني عشر ومع ذلك يحتسب من الحول الثاني وجواز كونه فورياً واحتسابه كذلك وجواز توقيته باللحظة واحتسابها من الثاني عشر وبالجملة فما جاء في الأخبار من قوله ((): (فإذا خرج زكاه لعام واحد وإن كان يدعه متعمداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر من السنين) وقوله ((): (المال الذي لا يقلب يلزمه الزكاة كل سنة) وقوله: (في كل فرس في كل عام ديناران) وقوله ((): (الزكاة من سنة إلى سنة) وقوله ((): (فإذا دخل الشهر فانظر ما نض فزكه فإذا حال الحول من الشهر الذي زكيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت) منه ما هو ظاهر في اعتبار تمام الاثنى عشر شهراً ومنها ما هو صريح في ذلك وإخراجها عن معناها من غير داع لا وجه له والحكم بحول الحول في الصحيحة لا يصرف هذه الإطلاقات عن معناها بعد عدم ثبوت حقيقة شرعية له بهذا المعنى بل ثبوت عدمها لمجازيته الآن فيه فيقتصر فيه على مورد من لفظ الحول دون ما في معناه وعلى إرادة المشارفة والمقارنة أو على بيان المشابهة في تحقق الوجوب وكذا الحكم بوجوب الزكاة بدخول الثاني عشر لا يدل على إخراج تلك الإطلاقات عن حقائقها لصحة الجمع بينها بحمل الوجوب على تحققه في الجملة عند إجتماع الشرائط وإرتفاع الموانع فيكون عدم الشروط ناسخاً للوجوب من حينه فإذا دفع لم يسترد وإذا لم يدفع لم يجب الدفع ويجوز الفرار حينئذ في أيام الثاني عشر أو فاسخاً له من أصله على سبيل الكشف ويجوز الفرار أيضاً في الثاني عشر على الأقوى إلا أن يمنع من جهة الرواية لظهورها في المنع منه بعد دخول الثاني عشر واشتراط الوجوب بالشرائط المتأخرة أو المفارنة لا بأس به وإن جاءت الشرائط من أدلة أخر كما جاء وجوب الصلاة والصوم والحج في أوقاتها المخصوصة وجاءت شرائط صحتها من أدلة أخر كعدم الحيض والجنون والطهارة والستر وكذا الشرائط المتأخرة التي لا يعلم وقوعها كبقاء الحيوان والعقل وشبهها إلى تمام الفعل فإنه يحكم بوجوب الفعل ظاهراً فإن أتم الفعل جامعاً للشرائط تبين وجوبه واقعاً وإلا انكشف وجوبه ظاهراً أو عدمه واقعاً فايجاب الفعل مطلقاً لا ينافي اشتراطه بشرائط أخر يرتفع الوجوب عند فقدها ولو سلمت المنافاة فهو من باب الإطلاق والتقييد والمقيد حاكم على المطلق وأكثر الأحكام الفقهية بالنسبة إلى شرائطها كذلك لأن الشرائط منها ما هو لنفس الوجوب واقعاً كالحيض وشبهه ومنها ما هو شرط للخطاب به ظاهراً كانقضاء العادة مع انقطاع الدم وشبهه ودخول الثاني عشر لا يتيقن فيه سوى أنه موجب للخطاب به ظاهراً فيكون من قبيل الواجب المشترك المتزلزل فالقول الثاني لا يخلو من قوة ومع هذا كله فالأول أحوط وههنا مسائل:
الأولى:لو ولد النصاب نصاباً آخر مستقلاً سواء انظم إلى الأول أولاً كان لكل من الأمهات والأولاد حول مستقل بنفسه ولو انظم كان عفواً كما ولدت الأربعون شاة أربعين أخرى فالأقوى ثبوت شاة واحدة للأمهات وجعل الزائد عفو للأصل وظهور الأخبار المثبتة في كل أربعين شاة شاة للنصاب المبتدأ الذي لا يكون عفواً إذا انظم ولعموم ما دل على أن الزائد عفو وللإجماع المنقول ولو ولد النصاب نصاباً آخراً مستقلاً فلو انظم عاد مع الأول نصاباً ثانياً ولو كان ولدت إحدى وثمانون شاة وإحدى وأربعين شاة ومثله ما ولد ما يكون به نصاباً ثانياً لو انظم إليه بعدما يخرج منه ما يجب في الأول ولكن لو استقل كان عفواً كأن ولدت ثلاثون من البقر إحدى عشرة أو تسعون شاة اثنين وثلاثين فهل يجب إخراج الفريضة عند حول الحول على الأمهات منها وبعد إخراجها يستأنف حولاً للجميع أو يخرجها عند حول الحول على الأمهات ثم يخرج فريضة النصاب الثاني عند حول الأول عليها من حين الولادة عليها وعلى الأمهات تماماً أو يخرج ما يخص الزائد من الفريضة فقط كأن يخرج تبيعاً عند حول الحول على ثلاثين وربع مسنة عند حول الحول على إحدى عشرة قد تجددت معها وهكذا في كل سنة أو يخرج أولاً تبيعاً ثم ربع مسنة ثم ثلاثة أرباع مسنة في الحول الآخر وهكذا في باقي الأحوال ثلاثة أرباع مسنة وربع مسنة أو أنه يلغي ما مضى من حول الأمهات ويعتبر النصاب الثاني من حين الولادة أوجهها الأول لوجوب إخراج زكاة الأمهات عند تمام حولها لوجود المقتضى وانتفاء المانع ومتى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منظماً إلى غيره في ذلك الحول للأصل وقوله (() لا يتنافى في صدقة وقول أبي جعفر (() في حسنة زرارة (لا يزكي المال من وجهين في عام واحد) فلا زكاة على الزائد منفرداً بما يخصه لعدم دليل عليه ولا مجتمعاً للزوم تكرار الزكاة فيه وهو ممنوع ولا معنى أيضاً لإلغاء الحول الأول وعدم الإخراج فيه لمخالفته لإطلاقات عمومات أدلة الزكاة ويجري الحكم لجميع النصب المتعددة في الأنعام ولا يجري في النقدين والغلات بل يخرج منه مطلقاً ويجزي حكم الولادة لكل ملك متجدد زائد على النصاب الأول.