انوار الفقاهة-ج3-ص48
ثانيها:يجب في الإحرام التلبيات الأربع للأخبار والإجماع بقسميه ويقوم مقامها الأشعار والتقليد للقارن فله أن يعقد الاحرام بهما دونها لفتوى المشهور والإجماع المنقول والأخبار المستفيضة منها ما تقدم في امتياز القران عن الأفراد ومنها الصحيح وغيره الدالان على أنهما بمنزلة التلبية ومنها الصحيح الأخر يوجب الإحرام ثلاثة أشياء الأشعار أو التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم خلافاً للمرتضى فأقتصر على الإحرام بها ولبعض أخر فجوز الإحرام بها ولبعض أخر فجوز الإحرام بهما عند العجز عنها وهما ضعيفان والاستناد لعموم ما جاء في التلبية ضعيف أيضاً للزوم تخصيصه بالأخبار المتقدمة المعمول عليها بين الطائفة المشتهرة بين الأصحاب وصورة التلبية أن يقول بالعربية معرباً على الأظهر مرتباً فيها لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك للأصل والصحيح أن تقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة والملك لا شريك لك لبيك ذي المعارج لبيك ثم قال وأعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع كن أول الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبى المرسلون وهو ظاهر في أختتام الواجب بالتلبية الرابعة وقيل يضيف إلى ذلك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك بتقديم لك على ذي الملك في الأخبار أو تأخيرها أو تقديمها وتأخيرها معاً ونسب لكثير من الأعيان ووردت به الأخبار المتكثرة وفي الرضوي والخصال تصريح به ويحمل الصحيح المتقدم على أن المفروض هو ما قبل الخامسة دونها نفسها وهو أحوط لفتوى الكثير بالزيادة وأن أختلفوا في محلها فبين حامل لها بعد الرابعة كما في فتوى جمع من الفحول وطائفة من الأخبار المعتبرة وبين جاعل لها بعد الثالثة كما في فتوى جمع أخر وربما كان الأكثر وأن لم يكن له مستند من الأخبار فالإتيان بها مطلقاً أحوط وأحوط منه الإتيان بها بصورتها معاً وما ورد في الصحيح من تركها والإتيان بدلها لبيك ذا المعارج لبيك محمول على سقوطها من قلم الراوي سهواً للاتفاق على عدم وجوب غيرها والاتفاق على رجحانها ومن المستبعد العدول عنها إلى غيرها مما هو متفق على عدم وجوبه من الزيادات المذكورة في الأخبار والأخرس يجزيه تحريك لسانه والإشارة بإصبعه كما في الفتوى والنص ولكن مع عقد قلبه بها والإشارة لمعناها بدونها لا يكون إشارة أليها والظاهر من إشارته بإصبعه أن يكون أليها وأن يفعل ما يفعله من تأدية المعاني بالأفعال إذ الألفاظ لا يعقلها ولا يسمعها فليست الإشارة إلى اللفظ بل إلى المعين فيوريه بالأفعال ويدل على تحريك اللسان عموم لا يسقط وما لا يدرك وقيل أن الأخرس يلبي عنه غيره أيضاً كما يلَبىّ عن الصبي والمغمى عليه بل وعن كل من لا يحسن التلبية وأستند للخبر عن زرارة فيمن لا يحسن أن يلبي فأستفتى أبا عبد الله (() فأمر أن يلبي عنه وإلى إن أفعال الحج تقبل النيابة ولوجوب إيقاع اللفظ بنفسه أو نائبه مهما أمكن لعموم أدلة الاحتياط وللزوم البراءة ولأن في الجمع بين تلبيته بنفسه وتلبيته بنائبه جمع بين الخبرين وكلام الأصحاب ولعموم لا يسقط ونحوه وفيه ضعف لعدم مقاومة الخبر لما تقدم من الخبر المشهور فتوى وعملاً الظاهر في الأجزاء عنه كما في غير التلبية من العبادات على أنه ظاهر فيمن لا يحسن كالأعمى ونحوه الذي لا يقدر على العربية فأنه لا يبعد أن له العدول من الترجمة بالعجمية إلى النيابة أو يراد من لا يحسن أصلاً كالأصم الذي لا يمكن تعريفه بها وتعليمه الإشارة أليها ودعوى أن الحج مما يقبل النيابة مسلمة فيما دل عليه الدليل ألا فيما جاء الدليل بخلافه وعموم لا يسقط ظاهراً في الفعل الواقع من الشخص نفسه فلا يشمل إيقاع غيره عنه عند العجز عنه ودليل الاحتياط مسلم على جهة الندب لا الوجوب والفراغ اليقين يحصل بالخبر المعتضد بفتوى المشهور والأحوط للعجمي أن يترجم ويستنيب وكذا من لا يحسن لألحان بأعراب أو بنية أو غيرهما للخبر المتقدم ومن نوى الإحرام ولم يلبي وأن لبس الثوبين لم تلزمه الكفارة لما يفعله من منافيات الإحرام ألا إذا أشعر أو قلد القارن فأنهما بحكم التلبية ويدل على الحكم المذكور الأخبار المتكثرة ومنها الصحيح لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبي ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره وليس عليه شيء والصحيح الأخر في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلَبّ قال ليس عليه شيء والإجماع المنقول وفتوى الفحول دال عليه وما يخالف ذلك من الأخبار وأن صح سنده فهو شاذ محمول على فعلها سراً أو على الندب وهل فعل المنافي قاطع للإحرام فيجب تجديده بالرجوع إلى الميقات أن تعداه وألا جدد النية في مكانه للاحتياط ولأنه نقض للإحرام كما أشعر به المرسل حيث سأله عمن نقض إحرامه بمواقعه النساء فأجابه (() بالتقرير على ذلك أو لا يجب للأصل وإطلاق الأخبار وعدم البيان ولأنه أحرم والظاهر الأجزاء وعوده أليه مفتقراً إلى دليل وليس فليس ثم أنه على ما ذكرنا من لزوم عقد الإحرام بالتلبيات الأربع فهل يجب مقارنتها لنية الإحرام للاحتياط ولكونها عاقدة له فهي كتكبيرة الإحرام للصلاة ولما جاء من عدم جواز المرور على الميقات ألا محرماً ولأن المفهوم من لزوم عقد الإحرام بها توقف حصول الإحرام عليها أو لا يجب للأصل وللأخبار الدالة على رجحان تأخير التلبية لمن حج على طريق المدينة من المسجد إلى أن تعلو راحلته البيداء ولتصريحهم بجواز ارتكاب المحرمات على المحرم ما لم يلَبّ وأن حصلت منه النية ولبس الثوبين و حينئذٍ فيكون معنى عدم الانعقاد ألا بها أن له ارتكاب المحرمات ولا كفارة عليه من كفارات المحرم من غير أن يأتي بها وأن كان إحرامه الأول قد أنعقد إحراماً ويكون عبادة ولا يحتاج عند التلبية إلى نية الإحرام جديداً ولا الرجوع إلى الميقات فيما لو تجاوزه قبل التلبية والأخير أقوى والأول أحوط ويمكن الجمع بين الأخبار ببقاء الأخبار الأولية على حالها وحمل الثانوية على استحباب الجهر بها بعد ذكرها سراً عند الإحرام كما يشعر به الصحيح أن كنت ماشياً فأجهر بإحرامك وتلبيتك من المسجد إذا كنت راكباً فإذا علت راحلتك البيداء والأوجه حمل الأخبار الأولوية على عدم انعقاد الإحرام التام المترتبة عليه الأحكام ألا بها وألا فلا بأس بنية الإحرام ولبس ثوبيه من دون تلبية وحمل أخبار عدم جواز المرور على الميقات ألا محرماً على أرادة الإحرام من حيث هو سواء قارن التلبية أم لم يقارن وإبقاء الأخبار الأخيرة على حالها من جواز تأخير التلبية ويشهد لذلك الصحيح أنه (() صلى ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج فأتى بخبيص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبي وكلام الشيخ فيه التهذيب يدل عليه أيضاً حيث قال والمعتمد في هذه الأحاديث أن من أغتسل للإحرام للحج وصلى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً وأنما يكون عاقداً للحج والعمرة وأنما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبى والذي يدل على هذا المعنى ما رواه ثم ذكر الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (() إذا صلى الرجل الركعتين وقال االذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فأنه أنما فرض على نفسه الحج وعقد عقدة الحج وقال أن رسول الله (() حيث صلى في مسجد الشجرة صلى وعقد الحج ولم يقولا صلى وعقد الإحرام فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل مما يحرم على المحرم ولأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبي وقد صلى وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلَبّ وقالوا قال أبن أبي تغلب عن أبي تغلب عن أبي عبد الله (() يأكل الصيد وغيره فإنما فرض على نفسه الذي قال فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل لا يكون أن يرجع إلى أهله حتى يمضي وهو مباح له قبل ذلك وله أن يرجع متى شاء وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم لأنه قد يوجب الإحرام ثلاثه أشياء الأشعار والتلبية والتقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم وإذا فعل الوجه قبل أن يلبي فقد فرض وهذا الكلام وجيه به تجتمع الأخبار وأن لم يكن معروفاً في الحكم به بين الأصحاب فعلى ذلك يجوز لمن دخل الميقات الإحرام بأن ينوي التروك أو التلبية بعد ذلك ويلبس الثوبين فيكون محرماً حينئذٍ ولا يجوز له قطعه وتركه والعدول عنه وأن جاز له ارتكاب المنافيات إلى أن يلبي بعد ذلك فيحرم عليه جميع المنافيات وتلزمه حينئذٍ سائر الكفارات .