انوار الفقاهة-ج3-ص41
ثانيها:لأهل المدينة مسجد الشجرة وعبر جمع بذي الحليفة والأخبار منها ما فيها ذي الحليفة ومنها ما فيها الشجرة وأن رسول الله (() أحرم من مسجد الشجرة ويظهر من بعض الأصحاب اتحادهما وأن مسجد الشجرة هو ذي الحليفة لاجتماع ناس فيه قد تحالفوا قبل الإسلام وكذا يظهر من بعض الأخبار ويظهر من بعض أخر أن ذي الحليفة مشتمل على مسجد الشجرة وزيادة وهو الظاهر وأنه على ستة أميال من المدينة وقيل سبعة وقيل أربعة وقيل نحو مرحلة منها وقيل على ثلاثة أميال وقيل على خمسة ونصف وقيل ميل إلى منتهى العمارات في وادي العقيق الملحقة بالمدينة وعلى كل حال فالأحوط بل الأطهر من الجمع بين الأخبار وكلام الأبرار ومن مقتضى وجوب البراءة بعد يقين الشغل هو تعين الإحرام من مسجد الشجرة بل استظهر بعضهم نقل الإجماع عليه حيث قال فيه من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء وأما الصحيح وقت لأهل المدينة ذو الحليفة وهو مسجد كان يصلي فيه ويفرض الحج فإذا خرج من مسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول احرم فليس فيه دلالة على أن الإحرام من خارج المسجد كما قد يفهم من ظاهر الخبر ألا على تقدير أرادة المعنى الحقيقي وليس بمراد لمنافاته لصدر الخبر بل المراد به أما التلبية نفسها أو الأجهار بها على تقدير لزوم الإحرام من المسجد فالجنب والحائض يحرما مجتازين لحرمة اللبث فأن تعذر الاجتياز فهل يحرمان من خارجه كما نقل عليه عدم روية خلاف فيه من بعض الأساطين للزوم قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرماً فلا يترك الميسور بالمعسور وللاحتياط أو يؤخران الإحرام للجحفة لمكان الضرورة المبيحة للتأخير أليها وفيه أن شمول الضرورة لمثل هذا محل تأمل ونظر لانصرافها لنحو البرد والحر والخوف وشبهها ومن لم يمكنه الإحرام من مسجد الشجرة لضرورة أو برد أو حر أو ضعف أحرم من الجحفة بضم الجيم والحاء المهملة بعدهما فاء وهاء لفتوى الأصحاب والإجماع المنقول في الباب وأخبار الباب ألا أن أكثرها مطلق كإطلاق بعض الأصحاب ولكن الإجماع المنقول وفتوى الفحول وما يشعر به الحسن في قوله وقد رخص رسول الله (() لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة وقريب أليه الموثق مما يصلح للتقييد على أن دلالة الأخبار الصحاح المستفيضة والإجماعات المنقولة على تأقيت ذي الحليفة الظاهر في عدم جواز العدول عنها مطلقاً محكمه قوية فيضعف الخروج عنها بإطلاق الأخبار الدالة على التأقيت بالجحفة لعدم صراحتها في العموم فيقتصر فيها على مورد الفتوى والاتفاق وهو حال الضرورة دون غيره وهل يجوز التعدي عن ذي الحليفة إلى الجحفة إذا لم يمر به للأصل ولأن الواجب الإحرام من الميقات عند المرور به ولو لغير أهله مع ظهور الإطلاق في خيال المرور به دون غيره أو لا يجوز بل لابد من قصده والإحرام منه لأنه ميقات مع النهي عن الرغبة عن مواقيته (() وجهان أوجههما الأول وعلى النائي فهل يأثم ويصح الإحرام من الجحفة لأنها ميقات والأصل البراءة من لزوم العود أو لا يصح للتعدي عن المأمور به وجهان أقواهما الأول وأحوطهما الثاني.
ثالثها:الجحفة ميقات أهل الشام اختياراً لفتوى الأصحاب وأخبار الباب وفي جملة من الأخبار أنها ميقات أهل المغرب ومصر وأفتى به جماعة ولا بأس به والجحغة مكان على سبع مراحل من المدينة وثلاثه من مكة كما قيل وبينها وبين البحر ستة أميال وقيل ميلان قيل ولا تناقض لاختلاف البحر في الأزمنة وفي القاموس كانت قربه جامعة على أثنين وثلاثين ميلاً من مكة وفي المصباح المنير منزل بين مكة والمدينة قريب من رابع بين بدر وخليص وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها وتسمى الهيعة من الهيع وهي السيلان.
رابعها:ميقات أهل اليمن جبل يقال له يلملم والملم ويقال يرمرم وهو على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً للفتوى والنصوص ولأهل الطائف قَرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء خلافاً للجوهري ففتحها وزعم أنه اويس القرى بفتحها منسوب أليه وغلطه من تأخر عنه وأن اويس من بني قرن بطن من مراد ويقال له قرن الثعالب وقرن بلا أضافة وهو جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة وقيل أن قرن الثعالب غيره وأنه جبل مشرف على اسفل منى بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع وميقات حج التمتع مكة للفتاوى والنصوص وميقات من كان منزله أقرب إلى مكة هو منزله كما نطقت به الأخبار وفتوى الأصحاب ونقل عليه الإجماع وأعتبر بعضهم القرب إلى عرفات وبعض استوجه الفرق بين العمرة فالقرب إلى مكة وبين الحج فالقرب إلى عرفة لتعلق االغرض بمكة في الأول بعد الإحرام وتعلق بعرفات في الثاني بعده أيضاً والأول أقوى ترجيحاً لمورد النصوص والفتاوى وأهل مكة يحرمون منها على القول بالأقربية من عرفات لأنها أقرب من الميقات قطعاً وعلى القول بالأقربية من مكة يشكل الحال لعدم دلالة الأخبار عليه لأن الأقربية تقتضي المغايرة بين الشيئين ولكن المشهور بين الأصحاب والمنفي عنه الخلاف كما عن بعضهم تحتم الإحرام منها ويدل عليه قوله (() من كان دونهن فمهلة من أهله وقريب المرسل عن رجل نزل الجهة من أين يحرم قال من منزله نعم ورد في المجاور في الصحيحين أنه يحرم بالحج من الجعرانة من دون تفصيل بين انتقال فرضه إلى فرض أهله أم لا والظاهر أنه مقيد بالأخير أو يجعل من خصائص المجاور كما قبل.