انوار الفقاهة-ج3-ص37
ثالثها:إحرام القارن فيعقد بالتلبية وللأشعار والتقليد كما سيجيء إن شاء الله تعالى فلو لبى وعقد إحرامه بها أستحب له أشعار ما يسوقه من البدن لإطلاق الأمر به وهو مختص بالبدن بأن يشق الجانب الأيمن من سنام الداية ويلطخ صفحته تلك بالدم السائل يشعر بكونها هدياً وأن تكثرت دخل فيها وأشعرها يميناً وشمالاً للأخبار وفتوى الأصحاب ويستحب له التقليد أيضاً وهو في البدن وغيرها فقد يجتمع مع الأشعار فيها وينفرد عنه في غيرها لضعف غيرها عن الإشعار والتقليد هو أن يعلق في رقبته نعلاً قد صلى السائق فيه للأخبار وكلام الأصحاب ويجوز للقارن والمفرد الطواف إذا دخلا مكة قبل المضي إلى عرفات سواء كان واجباً قد تقدم على الوقفين أو مندوباً ولكن يلزمها تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف لئلا يحلا به لفتوى مشهور من الأصحاب وللصحيح أني أريد الجوار بمكة فكيف اصنع قال إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فأخرج إلى الجعرانة فاخرج منها بالحج فقلت له كيف اصنع إذا دخلت مكة أقيم إلى التروية ولا أطوف بالبيت قال نعم عشراً ألا أن تأتي الكعبة أن عشراً الكثير أن البيت ليس بمجهول ولكن إذا دخلت مكة فطفت بالبيت وأسْعَ بين الصفا والمروة فقال ليس كل من طاف وسعى فقد أحل فقال أنك تعقد بالتلبية ثم قال كلما طفت طوافاً وصليت ركعتيه فأعقد بالتلبية ونحوه أخر عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة قال نعم ما شاء ويجدد التلبية بعد االركعتين والقارن بتلك المنزلة يعقد أن ما خلا من الطواف بالتلبية وللموثق فيمن طاف بالبيت وبالصفا والمروة احل احب أو أكره ولخبر العلل من أنهم أمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف إلى قوله وإ لا يكون الطواف مخطوراً ألا أن المحرم إذا طاف بالبيت احل ألا لعله فلو لا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف لأنه أن طاف احل وأفسد إحرامه وخرج منه قبل أداء الحج وقيل لا يلزمهما للأصل وللاتفاق على أن القادر لا يمكنه العدول إلى التمتع والإحلال ما لم يبلغ الهدي محله كما تظافرت الأخبار ولأن الإحرام عبادة لا تنفسخ ألا بعد الإتيان بأفعال ما أحرم فيه وما عدل أليه وأن نوى الأنفساخ كالمعتمر لا يحل ما لم يأت بطواف العمرة وسعيه وكذا الحاج ما لم يأت بالوقفين والطوافين للحج ولأن الأعمال بالنيات فلا ينصرف الطواف المندوب إلى طواف الحج ولا ينقلب الحج عمرة بلا نية بل حج القارن لا ينقلب عمرة بلا نية بل حج القارن لا ينقلب عمرة حتى مع النية وينزل الباقر (() من طاف بالصفا والمروة احل احب أو إكراه يراد به المفروض من الطوافين فينزل العمرة أو في الحج بعد الوقفين وفيه نظر لانقطاع الأصل بما مر ولأن الثاني نقول بموجبه والثالث معارض بالنصوص الدالة على التحليل بالطواف مطلق وتخصيصه بالمفروض من الطواف في العمرة أو في الحج بعد الوقوفين تخصيص للنص من دون مخصص وقولهم لكل أمرء ما نوى أن أرادوا به التحليل بلا نية لا يمكن وقوعه فلا وجه له بعد قوله (() احب أو أكره ولأن ما جعله الشارع سبباً للتحليل مستقلاً أقوى من منوي العبد كما يتحلل المصلي بالحدث وأن نوى بقاء الإحرام والصائم بالإفطار وأن نوى بقاء الصوم وأن أراد النية هي المؤثرة فلا وجه له أيضاً لأن النسك إذا أنعقد بنوع متعين بالأصالة لا يجوز العدول منه إلى غيره على الأقوى كما أفتى به بعض هؤلاء فإذا أحرم العدول لم تؤثر نية التحلل أصلاً والأحاديث الدالة على التحلل خالية عن ذكر النية نعم فيما جاز فيه العدول إلى التمتع كالحج المندوب مثلاً يكون للنية تأثير حينئذٍ والمدعى أعم وقيل يلزم تحديد التلبية على المفرد خوف الإحلال دون القارن لأن السائق لا يحل حتى يبلغ الهدي محله وللصحيح في رجل قرن بين الحج والعمرة فقال هل طفت بالبيت فقال نعم فقال هل سقت هدياً فقال لا فأخذ أبو جعفر شعره ثم قال أحللت والله ولخبر زرارة من طاف بالبيت وبالصفا والمروة احل احب أو اكره ألا من أعتمر في عام ذلك أو ساق الهدي أو أشعره وقلده ولخبر أبي بصير فيمن يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة فقال أن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقضي فلا متعة له ومرسل يونس ما طاف بين هذين الحجين الصفا والمروة أحد ألا أحل ألا سائق الهدي وبهذه النصوص يقيد ما أطلق فيه من الأخبار المتقدمة وما صرح فيه بتحلل القارن كالمفرد فيمكن حمله على القارن بغير معنى السابق كالقارن بين الحج والعمرة وشيهه كما يظهر من الصحيح ومع ذلك فهو قاصر عن المكافأة لها لكثرتها واعتضادها بغيرها دونه ولموافقتها الأصل الدال على بقاء الإحرام المستصحب بعد العلم بتحققه وقيل يلزم القارن التحديد دون المفرد وكان مستنده إلى انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز دون حج القارن وأن الطواف المندوب قبل الموقف يوجب الإحلال أن لم يجدد التلبية بعده فالمفرد لا بأس عليه أن لم يجدد فان غاية أمره أنقلاب حجته عمرة وهو جائز بخلاف القارن فانه أن لم يجددها لزم أنقلاب حجته عمرة ولا يجوز ذلك وفيه أنه مبني على القول الأول من تحلل القارن والمفرد بترك التلبية وأما على المختار من عدم تحلل القارن بذلك فينبغي أن لا يجب عليه التلبية ومثل بلزوم التجديد بعد الطواف المندوب دون الفرض وكأنه لقرب المندوب إلى الإحلال دون الفرض وهو ممنوع في القول بالفرق ضعيف وقيل أن نويا بالطواف الإحلال كان نوياه طواف الحل أو نويا العدول إلى العمرة وأنه طوافها أحلا وألا لم يحل ولا يلزم تجديد التلبية حينئذٍ لأن الأعمال بالنيات وفيه أن نية الأحوال لا دخل لها وجودا في مقام لا يصح العدول بحكم الشارع والأعوام ما في مقام جعله الشارع سبباً للتحلل والطواف منهي عنه مع نية التحلل بدون نية العدول ولا يكون المنهي عنه محللاً إذا لا أثر له وأما نية العدول إلى العمرة فتلزمه مع جوازه وتسويقه من الشارع وإتمام أفعال العمرة بعده والأخبار الدالة على السببية خالية عن ذكر النية فالمختار القول الأول أخذ بظاهر الأخبار وينقلب الحج عمرة قهراً وأن لم ينو الاعتمار كما هو الظاهر من كلام الكثير من الأصحاب نقلاً بل تحصيلاً ويشعر به الموثق أيضاً أن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقضي فلا متعة له فمقدمه وأن لم يلب فله متعة وخبر عمار في رجل لبى بالحج مفرداً و طاف وصلى وسعى فقال فليحل وليجعلها متعة ظاهراً في لزوم جعلها متعة وهو في مقر الأمر بنية ذلك وهل يشترط مع الانقلاب والإتيان بباقي أفعال العمرة الإتيان بطواف العمرة لأصالة الشغل وأصالة عدم أجزاء طواف الحج عن طوافها المأمور به من دون نية أنه لها أو لا يشترط لأنه لو أجتمع أليه لم يكن لهذا الطواف في الإحلال وهو باطل ولظهور الأخبار في عدم الإعادة لطواف أخر وهذا الأخير أقوى ثم أن معنى التحلل بترك التلبية أنه يقع الإحلال بالطواف ويزول بالتلبية ويعود الإحرام بها أو أن التحلل بالطواف يكشف عن عدم التلبية فالإتيان بها كاشف عن عدم التحلل به وتركها كاشف عن التحلل اوأن البقاء على الإحرام موقوف على حصول التلبية فأن حصلت حصل البقاء وألا فلا والظاهر من الأخبار الأول والظاهر لزوم التلبية فوراً أو لا يجوز فيها التراخي والظاهر لزوم مقاومتها لنية الإحرام كتكبيرة الإحرام للصلاة وفي بعض الأخبار أن من طاف بالبيت احل فإذا لبى أحرم فلا يزال محل ويعقد حتى يخرج إلى منى فلا حج ولا عمرة ولكنها غير معمول عليها بين الأصحاب فلا نعارض من أخبار الباب.
رابعها:لا هدي على القارن والمفرد وجوباً للأصل والإجماع المنقول والأخبار نعم على القارن ما ساقه فقط ويحرم بنية حجتين وعمرتين فصاعداً في أحرام واحد لأنه بدعة كنيه صلاتين ويفسد العمل وقيل يصح أحدهما دون الأخر وفيه أنه مع التعيين ترجيح من غير مرجح وصحة أحدهما لا يعينه لغوا وجعل الاختيار بيد الناوي بمحل لا يقول به ذو مسكة ويحرم أيضاً إدخال أحدهما على الأخر بأن ينوي أحدهما قبل الإحلال وإتمام الأفعال من الأخر لأنه بدعة وأن جاز العدول ويحرم القارن بين النسكين الحج والعمرة بمعنى أن يكتفي بنية واحدة لهما وبإحرام واحد أو بإحلال واحد ويفسد بالإجماع ولو قرن بين النيتين فقط صح المتقدم وفسد المتأخر أن صرفت النية عنه حال وقوعه ويحرم القران بينهما بمعنى أنه ألان محرم بهما وأن كانت الأفعال متمايزة ألا أنه لا يحل ألا بعد إتمام مناسكهما جميعاً أو أنه محرماً بالعمرة أولاً ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين مع احتمال الصحة ههنا بناء على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل بل تقلب العمرة حجاً وفي الخلاف إذا قرن بين الحج والعمرة في إحرامه لم ينعقد إحرامه ألا بالحج فأن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم وأن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزم الدم وفي الجامع أنه أن كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حج وعليه دم وأن كان فرضه الحج فعله ولا دم عليه وكأنهما أرادا به أن ينوي من أول الأمر الإتيان بأحد النسكين ثم الإحلال منه ثم الإتيان بالأخر وله وجه صحة كما قدمنا وأن أراد أن نية الإحرام بهما إحرام بأحدهما وزيادة فغايته ألغاء الزائد لا بطلان جميع المنوي فهو باطل لأن نية الإحرام للنسكين بدعة ليس لها وجه صحة وأن أراد نية الإحرام بأحد النسكين أولاً ثم بعد تمام أفعاله يحرم للنسك للأخر من غير إحلال في البين فينقلب الحج عمرة فلا وجه صحة ولكنه بعيد في نفسه وعن ظاهر العبادة.