انوار الفقاهة-ج3-ص17
رابعها :ينعقد نذر المشي إلى الحج ولو قلنا أن الركوب أفضل لرجحانه في نفسه فينعقد عليه النذر ولا ينافيه كون غيره أرجح منه ويدل على انعقاده فتوى الأصحاب وظاهر الاتفاق المنقول في الباب وعمومات الأدلة وخصوصاتها كالموثق عن رجل نذر أن يمشي حافياً إلى بيت الله تعالى فليمش فأذا تعب فليركب خلافاً للفاضل فأدعى صحة النذر للحج دون لزوم المشي فيه وضعفه ظاهر وأما ما ورد في الصحيح عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافياً فقال أن رسول الله (() خرج حاجاً فنظر إلى أمرأة تمشي بين الإبل فقال من هذه فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي حافية إلى مكة فقال (() يا عقبة أنطلق إلى أختك فمرها أن تركب فأن الله غني عن مشيها وحفاها فشاذ محمول على العجز أو النسخ أو قوة ستر ما يجب ستره أو أن نفس الحفا مرجوح لأنه مضر بالبدن ثم أنه يجب الرجوع فيما يلام المشي فيه إلى عرف الناذر في البدء والمنتهي والظاهر أن عرف اليوم يقضي بالمشي من البلد والظاهر من الأخبار أنه في ذلك اليوم كذلك ولو خلينا وظاهر اللفظ لمكان المقتضى النذر ما شياً أن يكون مبدأ أول أفعال الحج وأخره أخر أفعاله الواجبة وهي رمي الجمار وما ورد من تحديد أخره بالإفاضة من عرفات فشاذ محمول على ما إذا فاض ورمى أو كون المشي تطوعاً لا منذوراً لكثرة الأخبار الدالة على أن من عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكباً ولا شيء عليه وأنه إذا رمى الجمرة أنقطع مشيه وذهب جمع من أصحابنا إلى أن أخره طواف النساء والأقوى ما قدمناه ولا يجوز لناذر المشي أن يقصد طريقاً لا يتيسر له المشي فيه كلاً أو بعضاً كركوب بحر أو نهر مع قدرته على طريق يمشي فيه ولو مشى فعرض له في طريقه ماء لا يعلم من نهر أو بحر ولا يمكنه العدول عنه عبر في السفينة قطعاً ويقوم في مواضع العبور وجريا لعموم لا يسقط لأن الواجب القيام والحركة فانتفاء الأخير لا يقض بانتفاء الأول ولرواية السكوني الآمرة بالقيام في المعبر على من نذر المشي إلى بيت الله المنجبرة بفتوى الأكثر نقلاً أو تحصيلاً أو استحباباً كما أفتى به جمع من فقهائنا استضعافاً لدلالة العموم المتقدم ولسند الرواية عن إثبات الوجوب ويبقى الاستحباب يتسامح فيه ما لا يتسامح في الواجب والأول أقوى وعليه فهل يختص الحكم بنذر المشي إلى الحج أو إلى البيت أو يعم كل شيء منذور ظاهر العموم المتقدم والاحتياط هو الثاني وأن علم بالماء حين النذر سقط القيام في المعبر لعدم القصد بنذر المشي أليه ولو قصده كان نذر غير المقدور وهو باطل ولو ركب في الطريق أجمع ناذر الحج ماشياً مختاراً فأن كان نذر الحج ماشياً أعاده وأن كان النذر مطلقاً تحصيلاً بقدراً لا مكان ولا كفارة وأن كان معيناً قضاه أن طاق وسعى راكباً لبطلانهما بتوجه النهي أليهما سيما لو نوى بفعله الوفاء بالنذر وأن لم يطف وسعى راكباً فهل يجب عليه القضاء اليوم لعدم الإتيان به على وجهه أداء فيجب عليه القضاء لأن حجه وقع فاسداً والحج الفاسد موجب للإعادة ولفتوى الأكثر نقلاً أو تحصيلاً وللاحتياط أو لا يجب للأصل ولأن فوت الأداء لا يستلزم القضاء والقضاء يحتاج إلى أمر جديد وليس فليس ولأن الإفساد الموجب للإعادة هو ما كان للإخلال بجزء أو شرط أو صفة لا الصادر من عدم مطابقة المنذور بل الظاهر أن مالا يطابق المنذور ليس بفاسد بنفسه إلا إذا نوى به الوفاء غايته أنه لا يقع وفاء أحدهما غير الأخر بل ربما يقال أنه لو نوى الوفاء به لا يفسد لتعلق النهي بأمر خارج حينئذٍ فتجب الكفارة على من نفى بنذره ويصح حجه على هذا القول وهذا القول قريب للنظر إلا أن الأول أقوى وعليه فالظاهر أنه يجب أن يقضيه ماشياً لا راكباً لأن القضاء يتبع الأداء إلا مع العجز عن المشي فيقضيه راكباً وأن تعلق النذر بالمشي في حج معين أحتمل إفساد الحج عند وقوعه بغير الصفة ولزوم الكفارة وأحتمل صحة الحج ولزوم الكفارة وأحتمل فساده ولزوم الكفارة أن نوى الوفاء به وصحته ولزوم الكفارة أن لم ينو الوفاء وهذا الأخير أقوى ومن نذر المشي في طريق الحج دون أفعاله فالإخلال به لا يستلزم الإخلال بالحج قطعاً ولو ركب بعضاً من الطريق ومشى بعضاً مختاراً قيل أنه يقضي الحج ويمشي ما ركب وله أن يركب ما مشاه لأن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً وقد حصل بالتلفيق ولما عن الشهيد أن به أثر لا يبلغ لأخذ العمل به ويضعف الأول بالمنع من حصول الحج ماشياً والتلفيق فلا يخرج عن العهدة ويضعف الثاني افراد من نقله يضعفه وقيل يقضيه ماشياً وهو الأوجه للإخلال بالصفة المشترطة في يقين الخروج من العهدة ولو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره حيث كان قادراً عليه عند النذر بزعمه فعجز عنه كلاً أو بعضاً وقد حدث عجزه في سنة النذر قبل استقرار المنذور عليه لأنه لو استقر عليه ففرط فيه لزمه القضاء على كل حال بما أمكن ولا يجري فيه الخلاف الأتي إن شاء الله تعالى وقيل يركب ويسوق بدنه للصحيحين في أحدهما عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى فعجز قال فليركب وليس بدنه وفي الثاني عن رجل حلف ليحجن ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه قال فليركب وليسق الهدي ويضعفه احتمال ورود الأخبار مورد من نذر المشي في حج لازم فاستطاع ونحوها لا فيمن نذر الحج ماشياً ولا شك في وجوب الركوب في الأول واحتمال أن يسوق البدنه للندب بل هو الظاهر كما يشعر به الأخبار الآتية وقيل ويركب ولا يسوق للصحيح فيمن نذر أن يمشي إلى بيت الله وقد تعب قال إذا تعب ركب وترك البيان في مقامه دليل على عدمه وللخبر الأخر وفيه بعد قوله احب أن تذبح بفره فقال أشي واجب فعله فقال لا من جعل لله عليه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء وبحمل الأمر في الأولين على الندب ويكون الأخيران قرينة عليه وقيل أن كان النذر مطلقاً توقع المكنة لوجوب تحصيل الواجب مهما أمكن وأن كان معيناً سقط الحج لمكان العجز عن القيد والمقيد وعدم عدمه ويضعفه أطلاق الأخبار الآمرة بالركوب من دون استفصال بين القدرة في زمن متأخر وبين عدمها وبين النذر المطلق وبين عدمه وقيل أن حصل العجز قبل التلبس بالإحرام فيجزي فيه التفصيل المتقدم وأن حصل بعد لزوم الإكمال في النذر المطلق سقوط المنذور في المعين للزوم العسر والحرج المنفيين بتوقع المكنة والإعادة ويضعفه ما يظهر من نفي الخلاف من بعضهم في لزوم توقع المكنة في الواجب المطلق وقيل كالتفصيل الأول ألا أنه في النذر المعين يلزم عليه الركوب عند العجز أو يلزم عليه الركوب كالنذر أو مطلقاً ويضعفها أن انحلال النذر عند العجز عن المنذور وأقرب للقواعد وربما يقال أن العجز إذا كان من البلد فأن كان النذر مطلقاً وساق فوقع المكنة فان أيسر أو كان النذر معيناً أنحل النذر وأن كان العجز في أثناء الطريق ركب مطلقاً وساق بدنه وجوباً أو استحباباً ثم أن انحلال النذر إنما يكون في أصل الحج لا في المشي فقط لانتفاء المقيد بانتفاء
قيده ألا إذا فهم من حال نذر الحج ماشياً إرادة فعل الموصوف والصفة بحيث يكون كل منهما مناطاً للنذر لأنه أراد فعل الموصوف من حيث هو متصف بوصــف وبالجملـــة فـرق بيـن نــذر المشــي فـي الحــج وبيـن نـذر الحـج والمشي فيه وبيـــــــــــن نذر المشي حاجاً فيه فأن لكل واحدة من هذه الصيغ حكماً على حده والأقوى في النظر أن من نذر الحج فعجز عنه توقع المكنة فأن أيسر أو كان نذره معيناً لزم عليه أصل الحج وركب كل الطريق أو بعضه وساق بدنه وهو يوافق الأخبار والاحتياط والأحوط قضاء الحج راكباً لو تمكن بعد ذلك.
القول في حج النيابة وفيه أمور: