انوار الفقاهة-ج3-ص8
عاشرها :من استقرت عليه حجة الإسلام فمنعه مانع منها من ضرر أو عدو أو خوف أو كبر أو سلطان أو ضعف أو عرج أو عمى أو شبه ذلك وجبت عليه الأستنابة عنه من ماله إذا يئس من البرءِ للإجماع المنقول وفتوى الأصحاب وللأخبار الخاصة الدالة على الحكم الثاني فأنها تدل بإطلاقها وبأولوية على هذا الحكم ولما كان الحكم مخالفاً للقواعد أقتصر فيه على الظاهر من الفتوى وكلام الأصحاب وهو ما كان البرء ميؤوساً منه عادة مضافاً إلى نص المشهور والإجماع المنقول ولو مات أجزى عنه ذلك لاتفاق الأصحاب ولأن حصول الامتثال يقضي بالأجزاء ولو برأَ أعاد لظاهر الإجماع المنقول وفتوى الفحول ولأن الحج له تعلق بالمال والبدن فإذا أمكن الإعادة بالبدن لزمه ذلك ولللأحتياط أيضاً ويحتمل القول بالعدم للأجزاء بحصول الامتثال ولخلو الأخبار من وجوب الإعادة ومن ظاهر الأخبار الدالة على أن حجة الإسلام في العمر مرة ينصرف حينئذٍ وجوب الإعادة في الفتوى والإجماع المنقول إلى الصورة الثانية كما هو الظاهر من موردها ولما لم يستقر عليه حجة الإسلام لمانع غير المال كأن يكون مستطيعاً للمال ولكنه ممنوع لمرض أو عدو أو عرض أو كبر أو ضعف أو خوف فالأقوى وجوب الأستنابة عليه من ماله مالم يكن مضراً بحاله ولا تعاد له حجة من ماله بعد موته ويعيد في حياته إذا زال العارض هذا كله إذا لم يرج زوال العذر ولو رجا زواله لم تجب عليه الأستنابة واستحبت في حقه كل ذلك لفتوى الكثير من الأصحاب وللإجماعات المنقولة في الباب وللاحتياط ولأنه لا يسقط الميسور من إيقاع الحج بماله بالمعسور من إيقاعه ببدنه وللأخبار الأمرة بالاستنابة كالصحيح أن كان موسراً وحال بينه وبين الحج مرض أو خطر أمر بعذره الله تعالى فيه فأن عليه أن يحج من ماله ضرورة لا مال له وفيه أن علياً (() رأى شيخاً لم يحج قطعاً ولم يطق الحج من كبره فأمر أن يجهز رجلاً فيحج عنه ونحوه آخر وفي ثالث لو أن رجلاً أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلاً من ماله ثم ليبعثه مكانه إلى غير ذلك من الأخبار المنجبرة بالاحتياط وفتوى الأخبار وقيل بعدم الوجوب للأصل ولفقد الاستطاعة المشترطة بإمكان السير المعلق وجوب الحج عليها فينتفي بانتفائها وفي الخبر أني كثير المال ففرطت في الحج حتى كبر سني فقال تستطيع الحج قال لا فقال علي (() أنشئت فجهز رجلاً ثم أبعثه يحج مكانك ونحوه آخر وظاهر التعليق بالمشية على من استقرت عليه يقضي بالاستحباب على من لم تستقر عليه بالطريق الأولى وللأمر في الصحيح الأول لتجهيز الضرورة ولا يمكن حمله على الوجوب لعدم القائل باختصاصه بالضرورة فليحمل على الندب أو الجواز لأنه خير من استعمال اللفظ الواحد معنية معاً ولظهور الأخبار الأخيرة فمن استقرت في ذمته الحج وليس الكلام فيه وفي الجميع ضعف لأنقطاع الأصل وتخصيص الأخبار الداله على اشتراط تخلية السرب والصحة في الاستطاعة بما باشره المكلف بنفسه بالأخبار المتقدمة المعتبرة المنجبرة بما ذكرناه ولأن الضرورة بعدم قيام الدليل على عدم لزوم تخصيصه به لا يدل على الندب في النيابة وغاية ما يلزم استعمال الأمر في القدر المشترك فتكون قرينة الوجوب في الأستنابة غيره من الأدلة ولأن التعليق على المشيئَة لا يدل على الندب وكثير ما يستعمل في الواجب على أن التعليق على المشيئَة وارد فيمن أستقر الحج في ذمته والقول بالندب فيه ضعيف جداً مخالفاً لمشهور الفتاوى والنصوص فيحمل على التعليق على التحريض على الفعل وحمل المخاطب على المشيئة وبما ذكرنا ظهر ضعف ما مال إِليه بعض المتأخرين من ندب الأستنابة وحمل بعض الأخبار الآمرة على الجواز فوقوعها في مقام توهم الحصر كما أفتى به بعض العامة أو بعضها على الندب بقرينة تعليقها على المشيئَة وبعضها على التقية وبعضها على من آستقر الحج في ذمته وحمل الإجماع المنقول على الجواز أيضاً في مقابلة المانع حتى تسري إلى تقريب ندب النيابة على من أستقر الحج في ذمته أيضاً للخبر المتقدم المشتمل على التعليق بالمشيئَة ولإطلاق الأمر بالنيابة لمن كان يرجو البرء وغيره وراجي البرء يندب في حقه النيابة عند الأصحاب خلافاً للشهيد (() حيث حكم بوجوبها ولكن على التراخي بخلاف غير الراجي فأنه تجب عليه فوراً فإذا كانت النيابة مندوبة لراجي البرء دار الأمر حينئذٍ بين تقييد الروايات بغير الراجي وبين حملها على الندب والأخير أولى لكثرته ووجه ضعف ما قاله أن التخطي عما دل عليه الإجماع المنقول وفتوى الكثير من الفحول ونطقت به جملة من الأخبار بمثل هذه المناقشات بعيد عن أهل الأنظار .
حادي عشرها:من حج وأرتكب الضرر من مرض وشبهه أو الخوف أو تلف المال أو بذل العرض أو قتال العدو حتى وصل سالماً إلى الميقات فأن أنقطع عنه ذلك قبل التلبس بأفعال الحج احتملت صحة حجته حجة إسلام لحصول الاستطاعة من بلده إلى رجوعه حتى لو منعه عدو من الرجوع أو خاف على ماله أو عرضه عند رجوعه سقطت الاستطاعة في حقه وحينئذ فلو خاطر وأقدم على الحج لم تحتسب له حجة الإسلام وهذا الأخير أقوى نعم لو خاطر فأقدم فتبين له خطأ ظنه بالمرض أو الخوف فلا يبعد هنا صحة حجته حجة إسلامية وقد تبنى المسألة على أن هذه الشرائط من المرض والعدو وأخذ المال هل تدور مدار الواقع أو مدار الظن في حصول الاستطاعة وعدمها والأظهر أنها تختلف فمنها ما يدور حكمها مدار الواقع كالمرض المظنون حالاً وشبهه ومنها ما يدور حكمها مدار الخوف كالخوف من العدو وشبهه أما لو لم يصل سالماً كما إذا وقع بما خشي منه أو استمر الخوف إلى أداء المناسك فالظاهر أن حجه لا يجزي عن حجة الإسلام بل ربما يكون حجه منهياً عنه في بعض المقامات فلا يجزي عن المندوب أيضاً فضلاً عن حجة الإسلام .