انوار الفقاهة-ج3-ص6
سادسها: ويلزم في الاستطاعة أيضاً إمكان السير ذهاباً وإياباً بأن يكون صحيحاً في بدنه غير مريض أو ضعيف أو كبير لعجز عن السفر أو الركوب أو عن الحركة العنيفة لضيق الوقت ويتضرر بذلك ضرر معتاد للإجماع بقسميه ولقوله (() من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ولا يدخل في المريض الأعمى والأصم والأعرج بل يجب عليهم فأن افتقروا إلى قائد ومترجم وحامل وجب عليهم بذله كما يجب بذل الدواء من المريض إذا كان في استعماله قوة لركوبه ولسفره فلو لم يمكنهم بذله لقلة المال أو لم يمكنهم تحصيله سقطت الاستطاعة في حقهم ومن تضرر بالركوب دون المشي وكان مالكاً للراحلة فلا يبعد تحقق الاستطاعة بالنسبة أليه فيجب عليه المشي حينئذٍ ونقصان العقل وشبهه ليس من الأمراض بل يجب عليه وعلى الولي أن يبعث معه مرشداً أو حافظاً للمال عن تفريطه به وأجرته وما يحتاج أليه من مال السفيه وجزء من استطاعته فلو قصر المال عنها فلا يبعد سقوط الاستطاعة في حقه ومن إمكان المسير تخليه السرب وهو الطريق بأن يكون أمناً فيه على نفسه وماله وعرضه ذهاباً وإياباً من قتل أو جرح أو تعد على عرض أو نهب مال أو سرقته من إنسان أو حيوان ولم يكن له طريق آخر يأمن فيه من بر أو بحر ولو بعد وإذا كان مستطيعاً له فأنه يسقط عنه فرض الحج للإجماع المنقول وفتوى الفحول ونفي الضرار والعسر والحرج وأرادة اليسر خصوصاً الأخبار كالخبر المتقدم وغيره الدال على اشتراط كونه صحيحاً في بدنه مخلا سِربَه وغير ذلك والأمرأة والرجل سواء في ذلك فلو خافت المرأة على بضعها سقط عنها فرض الحج ولو أمكنها رفع ما تخاف منه بمصاحبة محرم لها لزم عليها وكانت مؤنثة جزء من استطاعتها ولا يلزمها مصاحبة المحرم مع عدم الحاجة أليه لفتوى الأصحاب وللأخبار الدالة على أن الأمرأة لو أرادت أن يحملها الأجنبي كان له حملها ألان المؤمن محرم المؤمنة وعلى أن المرأة لو أرادت الحج تحج وأن لم يكن معها محرم وعلى أن المرآة تحج بغير ولي إذا كانت مع ثقاة ولو منعها الزوج من حج الإسلام لم يجب عليها أجابته لفتوى الأصحاب ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وللأخبار الخاصة الدالة على أنه لا طاعة له عليها في حجة الإسلام وفي بعضها ولا كرامة تحج أن شاءت نعم يشترط أذنه في المندوب قطعاً لتعلق حقه الواجب بها فيقدم على الندب ولفتوى الأصحاب والأخبار الخاصة الدالة على أن الزوج له أن يمنع الزوجة عن الحج إذا حجت حجة الإسلام ولو أرادت حجة الإسلام فأدعى الزوج عليها الخوف عمل بشاهد الحال مع انتفاء البينة ومع فقدهما يقدم قولها وفي توقفه على اليمين لكونها كالمنكرة لأنها لو اعترفت لنفعه اعترافها وجه قوي ويحتمل العدم للأصل ولاختصاص يمين المنكر بالحقوق المالية وشبهها وهل للزوج منعها باطناً إذا قطع بالخوف عليها ألا أنه أمر يعود أليه أو ليس له لتكليفها ظاهراً بالحج فلا سلطان له عليها فيه وجهان أقواها الأول وأحوطهما الأخير ويشترط في الخوف المسقط أن يكون خوفاً معتداً به يجرى على أواسط الناس فلا عبرة بالمتهور ولا عبرة بالجبان ألا أن يكون الجبن داء يخش من مخالفته ذهاب العقل أو حصول السقم ويشترط في المخوف منه أن يكون شيئاً مضراً بجرح جزئي أو حدث مرض جزئي أو ذهاب مال قليل غير مضر بالحال ولو كان في النضر لأن ذلك لا ينافي تخليه السرب نعم لو كان المال المتلوف كثيراً بحيث يلزمه منه الإجحاف به وأن لم يكن مضراً فلا يبعد سقوط فرض الحج حينئذ لفقدان شرط تخلية السرب ولا فرق في الخوف على المال بين أن يكون المأخوذ نهباً أو سرقة أو غصباً أو ضياعاً أو غير ذلك مما شابه ذلك نعم لو كان في الطريق عدو يمنع الحجاج من الذهاب ألا أن يأخذ منهم مالاً كما يفعله حكام الجور اليوم حيث أنهم يصدون من حج ألا أن يدفع لهم مالهم وكذا ما تفعله الأعراب فأن كان دفعه مضراً بالحال ولو حال السفر سقط فرض الحج وأن لم يكن مضراً بل كان مجحفاً لكثرته وجهان أحدهما سقوط فرض الحج لعدم تخلية السرب عرفاً ولكون الدفع إعانة على الإثم ولأنه في معنى الأخذ غيلة وقهراً ولأن العدو مانع ولا يجب دفع المانع والثاني عدم السقوط لتحقق الاستطاعة ولأن دفع هذا المانع كشراء الزاد والراحلة من مقدمات الوجود لا الوجوب ولأن المقصود الطاعة والإعانة على الإثم إنما جاءت بالعارض فلا مانع ولمنع عدم تخلية السرب لإمكانه ببذل المال ولا نسلم أن كل مال مبذول ينافي تخلية السرب بل ذلك المأخوذ بغضاضة ومهانة ومشقة على النفس ولأن الثابت في بذله اختياراً هو الثواب الدائم وفي أخذه قهراً للثواب المنقطع كما هو الظاهر في الفعلين وللسيرة المعلومة في ارتكاب ذلك في واجب أو مندوب من دون إنكار أحد من أهل العلم على فعله فالأخير أظهر وأحوط ولو افتقر دفع العدو الذي يخاف منه على النفس أو المال أو العرض فالأظهر وجوبه مالم يضر بالحال مع احتمال سقوط الاستطاعة لعدم تخليه السرب وكذا لو أفتقر العدو إلى قتال مع ظن السلامة فأن الأقوى لزومه ومع احتمال سقوطه لعدم تخليه السرب ومع ظن عدم السلامة فلا شك في السقوط .
سابعها:ومن شرائط الاستطاعة أيضاً أتساع الوقت لقطع الطريق والمسافة وأداء المناسك فلو ضاق الوقت عنهما سقط عنه الحج في ذلك العام ولم يقض عنه للإجماع المنقول وفتوى الفحول ومن شرائط الاستطاعة عدم التقية ابتداء في حجة أو الخوف من سلطان أو ظالم يمنعه عن الحج أو الخوف على ماله وعرضه بعده وكذا لو خاف من حدوث فتنة على المسلمين أو ضرر على المؤمنين يحدث بسفره عنهم فأنه يسقط بذلك فرض الحج لعموم الأدلة وخصوصها الدال على ذلك ومن شرائط الاستطاعة عدم تقدم حق لازم خالقي أو مخلوقي يضاد الحج ألا ما كان مؤدياً لفوات تعلق الخطاب بعد اجتماع الشرائط كنذر عدم السفر أو عدم الخروج أو صوم الدهر أو زيارة كل يوم أو غير ذلك فأن الظاهر عدم سقوط الحج بذلك ولو سقط الحج به لم يبق حج المستطيع ألا ويمكن إسقاطه وهو بعيد كل البعد ولا يمنع الجهل بحكم الاستطاعة أو بموضعها أو بقدر المال الذي هو عنده عن وجوب حجة الإسلام ولو علم بعد ذلك يتحقق الاستطاعة ولو انتفت الاستطاعة عند العلم على الأقوى والأظهر خلافاً لما نقل عن بعض من تأخر ويشعر بذلك ثبوت الحج على الكافر والمخالف وسقوطه بالإسلام والأيمان نعم قد يقال بسقوطه بالنسبة إلى النوم المستوعب زمن الاستطاعة لعدم تحققها وفي إلحاق النسيان والسهو وجه قوي أيضاً ألا أن الأقوى خلافه لأن الظاهر أن خطاب الحج من قبيل الأسباب بالنسبة إلى الاستطاعة .