پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج3-ص5

خامسها : يشترط في حج الإسلام الاستطاعة إجماعاً محصلاً ومنقولاً وكتاباً وسنة وقد فسرت في بعض الأخبار بالزاد والراحلة وفي بعضها فحلا في سربه صحيحاً في بدنه له زاد وراحلة وفي بعضها الزاد والراحلة مع الصحة وفي بعضها الصحة في بدنه والقدرة في ماله وفي بعضها القوة في البدن واليسار في المال وفي بعضها الاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن وعلى كل حال فالمراد بالاستطاعة في الكتاب والسنة والإجماع معنى خاص ولم يبق على إطلاقها بحيث يراد بها المعنى الفعل أو العرفي قطعاً فهي أما مجمل وبيانه في الأخبار وكلام الأصحاب أو مطلق منصرف إلى الفرد المعهود في لسان الشارع وعمله وعمل أصحابه وإلى السيرة المألوفة والطريقة المعهودة من الأمامية لأن الاستطاعة في الآية الكريمة مطلق وأن كان المستطيع عاماً ولا شك أن المعهود قولاً وفعلاً من زمن النبي (() أن حجة الإسلام لا تدور مدار القدرة العقلية أو العرفية بل لا بد من آمر آخر ورائه فهو المراد بالإطلاق ولما كان ما في الأخبار وكلام الأصحاب والمعهود من الآية وأصحابهم كالمجمل لعدم أرادة المطلقات في بيانها على إطلاقها من جهة أن الزاد هل يراد به عينه أو ثمنه وأنه هل يلزم شراؤه ولو بثمن مضر بالحال وأكثر من ثمن المثل أو لا يلزم وأن الراحلة هل يعتبر فيها المناسبة في الشرف والصفة أو يكفي المناسبة في القوة والضعف وأن القدرة على استدانتهما كافية في الاستطاعة ولأن الدين المقابل لهما مانع أم لا ولأن الدار والخادم والثياب وأواني البيت والحلي والكتب العلمية هل يستثنى أم لا وأن الزاد والراحلة في العود هل تعتبر أم لا وأن نفقة العيال هل تعتبر أم لا وأن نفقة العيال هل تستثنى أم لا وأن الرجوع كفاية هل يعتبر أم لا وأن تخلية السرب بالنسبة إلى الخوف على المال هل تعتبر أم لا قليلهُ أو كثيرهُ المضر وغير المضر أم لا وأن عدم المهانة والذل على نفسه أو على عرضه هل تعتبر أم لا وأنه لو قدر على مشي بعض الطريق دون بعض هل يعتبر أم لا وأنه لو قدر على المال بالسؤال هل يجب أم لا وأن القريب إلى مكة أو من كان فيها هل يشترط له القدرة على الراحلة أم لا وأن الأحتياج إلى حمل الماء وعلف الدواب من كان بعيد هل يرفع حكم الاستطاعة أم لا وأن الاحتياج أبنه أو صلة أرحامه أو إكرام ضيوفه هل هو مانع أم لا وهل القدرة على اكتساب الزاد والراحلة بصنعة أو حرمة أو إيجار نفسه لعمل داخل في الاستطاعة أم لا وأن من قصرت أعيان ماله من الاستطاعة فهل يجب عليه الرجوع إلى المنافع لو أمكن وفاءها لو أجراها سنيناً أم لا وإِن من كانت عنده دور متعددة موقوفة يمكنه الاستطاعة بثمن منافعها فهل يجب إيجارها أم لا وإِن من كان عنده بستان أو عقاراً أو حمام معدها للتعيش بمنافعها فهل هو مستطيع بها ويجب بيعها عليه أم لا إلى غير ذلك فإذا تحقق إجمال الاستطاعة وعدم وفاء الأخبار ببيانها وكان وجوب الحج معلقاً عليها لأشتراط تحققها في وجوبها وكان المشروط عدم عند عدم العلم بشرطه لزم عند عدم العلم بشرطه لزم عند وجوب الحج عند الشك في تحققها وعدم القطع بحصولها وكذا لو كان معناها القدرة من دون مشقة كقوله لا أستطيع النظر إلى أماكن ولن تستطيع معي صبرا لكان أيضاً مقارباً للمعنى الشرعي فيلزم مما ذكرناه حينئذٍ ملك الزاد والراحلة عيناً وقيمة للذهاب والإياب أن كان له وطن محقق وأن لم يكن له وطن فالإياب إلى ما يريدان يتوطنه وأن لم يكن كذلك وأراد الوطن بمكة فلا يعتبر الإياب مع الإياب وأن يكن زائداً عن حاجته وحاجة مثله شرفاً وصفة من مسكن وثياب بذله وتجمل وعبد خدمة أو فرس ركوب لا يمكنه ركوبها للحج ونفقة عيال واجبة أو مندوبة وإكرام ضيوف ومصانعة ظلمة وصلة أرحام معتادة له وصدقات مندوبة كذلك وبدل على استثناء المسكن والخادم والثياب المحتاج أليها ونفقة العيال وفرس ركوب فتوى الأصحاب والإجماع المنقول في الباب ويدل على استثناء النفقة خبر أبي الربيع وفيه لأن كان لمن له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغنون به عن الناس ينطلق أليه فيسلبهم أياه لقد هلكوا أذن فقيل له فما السبيل فقال السعة في المال إذا كان بحج ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله وفي أخر في الاستطاعة وأن يكون الإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع من حجة ويدل على استثناء حلي المرأة أنها بمنزلة الكسوة لها ولكن لا كل الحلي بل الحلي المعتاد لهن غالباً وألا يلزم سقوط الحج عن النساء غالباً ويدل على استثناء الكتب العلمية أن الأمور الأخروية أهم من الأمور الدنيوية ويدل على استثناء الصلاة والصدقات وإكرام الضيوف جريان السيرة على عدم استثنائها وعدم الأمر بتركها والمحاسبة فيها وشدة الحاجة أليها وحديث لا أضرار واردة اليسير نعم لو زادت قيمة الدار والعبد والفرس عما يحتاج أليها أو تناسب حالة وأمكن بيعها وشراء غيرها كان لازماً عليه بيعها وأنفاق ما زاد في الحج ويلحق بما ذكرنا أثاث البيت من الفرش والأواني والرحى للسيرة ونفي العسر ويجب بيع الأعيان واستئجار غيرها لأطلاق الفتوى ولزوم الضررية ولا بد في الراحلة من المناسبة له قوة وضعفاً فلو أفتقر إلى محمل أو كنيسة أعتبرت القدرة عليهما ولا يعتبر في الركوب الشرف والصفة للأخبار الدالة على أنهم (() ركبوا الحمير والزوامل ولقوله (() من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج إلى غير ذلك نعم لو أصابه انحطاط حقيقي أو حصلت بسببه سخرية أو استهزاء سقط عنه لزوم ركوبه والقادر على المشي إذا لم يقدر على الراحلة بملك عين أو منفعة غير مستطيع وكذا لو قدر على ركوب بعض الطريق ومشى بعض والظاهر أنه لا يتفاوت بين قريب المسافة وبعيدها نعم لو كان قريباً جداً كالمكي بحيث لا يحتاج عادة إلى الركوب أمكن القول بسقوط الراحلة في حقه ولزوم المشي ولكن الأقوى الأحتياج أليه للمضي إلى عرفات لو أدنى الحل والعود لأطلاق الرواية والفتوى باشتراط الزاد والراحلة وبعض أصحابنا قرب ثبوت الاستطاعة على من قدر على المشي في جميع الطريق أو بعضه للأخبار المستفيضة الدالة على وجوب حجة الإسلام من أطلاق المشي من المسلمين وخص أخبار الزاد والراحلة المؤيدة بالإجماع بقسميه على الظاهر وبالأصول والقواعد فلا بد من طرحها أو حملها على القريب أو على من استقر الحج في ذمته أو على الندب أو على التقية لفتوى بعض علمائنا بذلك هو الوجه ولو توقف شراء الزاد والراحلة على بذل ثمن يضر بالحال لم يجب للشك في حصول الاستطاعة وصدق عدم القدرة عليهما عرفاً ولو توقف على بذل ثمن أزيد من ثمن المثل فوجهان أحوطهما ثبوت الاستطاعة مع القدرة عليه ولو كان عليه دين حال أو مؤجلاً يطالبه به الغريم أو ديناً خالقياً كخمس أو زكاة أو مخلوقياً لا يكون مستطيعاً للشك في ثبوتها مع تحقق الدين لأن تعلق حق المخلوق مقدم هنا على حق الخالق ووفائه أهم بنظر الشارع ومما ذكرنا بعلم أنه لا يجب الأستقراض للحج ولو بأجل متأخر أو من غريم مطالب ألا إذا كان عنده ما لا يريد بيعه فأنه يجب عليه إستقراض مقابله له ولو كان عنده مال لا يبتاع ولا يؤجر لعارض من العوارض فهل يجب الأستقراض عليه لصدق الاستطاعة أو لا يجب لأصالة عدم الوجوب ولما في الفرض من الكلفة والمشقة ولأن الظاهر أن المراد بالاستطاعة كونها بماله فعلاً وجهان أقواهما الثاني ومن كان له على أخر دين مؤجلاً أو حال لا يمكن أقتضاءه في تلك السنة فالأظهر عدم لزوم الاقتراض في مقابله وعدم تحقق الاستطاعة إلا بعد اقتضائه ومن كان عنده مال قد تعلق به حق رهانه أو جناية أو خيار لغيره أو كان مبيناً على الرد عند حلول أجل الثمن ودفع النفع كما يقع اليوم لم يكن مالكه مستطيعاً ومال بعض أصحابنا إلى لزوم الحج على من كان عليه دين مؤجل أو حال لا يطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج استناداً إلى شمول أطلاق المستطيع له وإلى الصحيح عن رجل عليه دين عليه أن يحج قال أن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين وهو ضعيف لأن الأطلاق موهون بما قدمناه من كونه كالمجمل ولأن الرواية مرهونة بأشتمالها على ما لا نقول به من لزوم المشي على القادر عليه وبأنها لم تتضمن أن الدين منقص لثمن الزاد والراحلة فلعله المديون مالك للوفائية أو لأثمانهما وبأن الجواب ليس منه تصريح بلزوم الحج على المديون وما ورد في أخبار متعددة من الأفتراض وعدم منافاة الدين له محمول على حج الندب بل هو الظاهر منها وفي بعضها أن الحج يعني على وفاء الدين وأنه بوفر بالدعاء لوفائه في الحج وأنه من كان عنده مال وعليه حج أنفقه في الحج دون الدين كله محمول على تأكد الندب والمراد بالاستطاعة الزاد والراحلة الاستطاعة من بلده أو ما توطنه ولو كان مسافراً فلا يبعد أن الاستطاعة لا تتحقق إلا بالقدرة على الرجوع إلى بلده والسفر منها إلى مكة ولا يكفي أستطاعتة منها إلى مكة وفي كفاية استطاعتة من بلده تقديراً إلى مكة في بلده دون الوصول أليها وجه يوافقه الأحتياط وبعضهم اكتفى بالاستطاعة من أي مكان ولو من الميقات فعلى ذلك فمن حج ندباً وأستطاع لباقي قطع المسافة وباقي الأفعال ومن الميقات كان مستطيعاً ووجبت عليه حجة الإسلام وهو بعيد جداً وما ورد في الخبر المعتبر أن الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن وغيرها من البلدان فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام قال نعم يراد به أن المستطيع سابقاً لو قطع الطريق بغير الحج لا يلزم تجديد الذهاب بل يجزيه ما قطعه لأن قطع الطريق مقدمه ويكفي حصولها كيف أتفق جمعاً بينه وبين ما دل على اشتراط الاستطاعة الظاهر كونه من بلد المكلف أو مما توطنه ومن أضطر إلى التزويج استثنى له المهر المعتاد لا وسط النساء ومن كانت له أرباح من التجارات وكان لا يفي بالحج ألا رأس المال أو الربح بأجمعه بحيث لو أخرج خمسه لم يمكنه الحج فالظاهر لزوم الحج عليه ويسقط الخمس لأن الحج من المؤنة مندوبة وواجبة فإذا خرج المندوب من المؤن تعلق الوجوب به لصيرورته مستطيعاً حينئذٍ مع احتمال عدم الوجوب لتوقف الاستطاعة على عدم تعلق الخمس الموقوف على تعلق الخطاب بالحج الموقوف على الاستطاعة فيدور فيسقط وجوب الحج ولكن الأول أقوى ومن كان له رأس مال فينتفع بربحه أو غلة يتعيش منها فهل يجب أنفاقه في الحج إذا كفاه ذهاباً وإياباً وكفى عياله وفضل منه شيء بعد رجوعه على القول باشتراط ذلك أخذ بظاهر الفتوى والنصوص أو لا يجب لحديث اليسر ونفي الضرار وللشك في الاستطاعة ولقوله (() في خبر الأعمش وأن يكون للأنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع أليه من حجة ولقوله في خبر أبي الربيع هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الذي يكفيه لقد هلك أذن قيل له فما السبيل قال السعة في المال وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقي بعضاً يقوت به نفسه وعياله وظاهرها استثناء رأس المال وشبهه مما يكون ربحه ونماؤُهُ لا يزيد على قوته المعتاد نعم لو زاد رأس المال وشبهه على كفاية نمائهما لما بقوته وعياله على نحو القوت المعتاد وجب صرفه في الحج .