انوار الفقاهة-ج2-ص146
سابعها: يشترط في المسلم فيه الضبط بالكيل والوزن سواء كان مما يكال أو يوزن أو كان مما تكفي فيه المشاهدة والمعاينة إذا بيع مشاهدة ومعاينة وذلك لعدم جواز السلم في المعاين والمشاهد إلا إذا كان المشاهد في ضمن جملة فيسلم في بعضها في وجه والمنع منه أقرب كما سيجيء إن شاء الله تعالى وسواء كان من المعدود خلافاً للإسكافي أو كان مما يذكر يكثر فيه التفاوت كالرمان والباذنجان والبيض والبطيخ وإن كان مما يقل كالجوز واللوز والبندق وأشباهها فلا يبعد الجواز وذلك لإرتفاع الغرر به دون القسم الأول لو كان من غيره وأطلق بعضهم المنع في المعدود لمكان الغرر في المعدود مطلقاً مع عدم مشاهدته وهو يوافق الاحتياط وعلى ما ذكر فلا يجوز السلم في الحطب حمولاً ولا في التبن كذلك ولا في الماء قرباً ولا في الخشب جزافاً ولا في القصب ولا في البطيخ والرمان وشبهها عداً ولا بالمكيل والموزون جزافاً كل ذلك للإجماع في جملة منها ولعموم النهي عن بيع الغرر وللأخبار الخاصة كقوله (() (من أسلف فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم) والآخر ( لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلى أجل معلوم) إلى غير ذلك ويفهم منها ومن حديث الغرر اشتراط كون الكيل معلوماً معتاداً بين عامة أهل ذلك البلد وكذا الوزن ولا يكفي الاتفاق على كيله قدر صخرة بين المتعاقدين ليس بمعتاده لظاهر الإجماع لحديث الغرر وللخبر (لا يجوز للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر) وفي آخر عمن يصغرون القفزان يبيعون بها (أولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم) ولو عين المتعاقدين ظرفاً للكيل معيناً فيما يباع جزافاً كقربة خاصة أو آنية يكال فيها التبن مثلاً أو حملاً خاصاً أو عيناً كيلة خاصة لما يكال معتاداً أو كانت من أفراد الكيل المعتاد ولكن شرطاً إن الكيل بها بطل السلم في وجه قوي لعدم مأمونية الإنقطاع وعموم الوجود كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى ويجوز رد الكيل للوزن والسلم موزوناً لإندفاع الغرر به ولا يجوز العكس لعدم اندفاع الغرر وفي دلالة رواية وهب على ذلك منع وقد يحصل من رد الجزاف إلى الكيل والوزن مع عدم مشاهدتهما غرر كثير في بعض الموارد فالحكم بجواز الرد يحتاج إلى تأمل والاحتياط غير خفي والظاهر هذا الحكم شامل لكل كلي مؤجل بل وللحال أيضاً تنقيحاً للعلة المانعة من لزوم الجهالة والغرر فلا يخص السلم وإن اختص بذكره فيه.
ثامنها: يشترط في المسلم فيه التأجيل إلى أجل معلوم مضبوط واقع عند المتعاقدين بحيث يعرفانه معاً أما الأجل فيدل عليه ظاهر الأخبار المتكثرة في الباب المقيدة فيه كونه إلى أجل معلوم وظاهرها إن الأجل كالكيل والوزن له مدخلية في السلم ودعواها أنها مسوقة لبيان اشتراط المعلومية في الأجل بعد الإتيان لا لبيان اشتراط نفسه خلاف الظاهر وكذا تدل عليه ظواهر الفتاوى قيل وظواهر الاجماعات المنقولة وكلام الأصحاب متسالم عليه وعن الشيخ (() أنه احتج بإجماع الفرقة على الصحة مع الأجل ما عداه لا دليل عليه بل ربما يقال إن الأجل داخل في موضوع لفظ السلم عرفاً وشرعاً فالقول بعدم اشتراط الأجل ضعيف والاستناد إلى الأصل وإلى رواية عبد الرحمن عمن يشتري الطعام ممن ليس عنده فيشتري حالاً قال: (ليس به بأس) قلت: إنهم يفسدون عندنا قال: (وأي شيء يقولون في السلم) قلت: لا يرون به بأساً يقولون هذا إلى أجل فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصح فقال: (إذا لم يكن لأجل كان أجود) ثم قال: (لا بأس أن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل وحالاً لا يسمى له أجل) لا وجه له لإنقطاع الأصل إن لم يكن مقلوباً لعدم دلالة الرواية على صحة السلم حالاً بل غاية ما تدل عليه جواز بيع الكلي حالاً ومؤجلاً وهو أمر معلوم بل قد يقال أنها لا تخلو من إشعار باشتراط الأجل في السلم كما يلوح من صدرها نعم هنا مسألة ثانية وهي جواز استعمال صيغة السلم في البيع الحال بقصد البيع المطلق ومع الخلو عن قصد ذلك أو مع قصد السلمية ولا يبعد جواز الأولين بناءاً على أنه من المجازات المتعارفة القريبة الصريحة في إنشاء البيع ويجوز استعمال ما هو كذلك من المجازات في الصيغ الخاصة ويحصل بها النقل والانتقال ولا يتفاوت بين وقوعه على المبيع نفسه أو على ثمنه عيناً كان الثمن أو منفعة وإن كان الحكم بصحة الأخير مشكل جداً وأما الأخير فالأقوى والأظهر عدم جوازه لأن قصد السلمية ملازم لقصد الأجل وقصده ينافي قصد البيع المطلق والعقود تابعة للقصود فلو وقع البيع المطلق كان بمنزلة ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع وهو باطل.