انوار الفقاهة-ج2-ص141
الثاني والعشرون: ومن ما ورد في عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال له اشتر بها نسمة فاعتقها عني وحج عني بالباقي ثم مات صاحب الألف درهم فانطلق العبد واشترى أباه وأعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه وبلغ ذلك لموالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعاً فاختصموا جميعاً في الألف فقال موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بمالنا وقال الورثة إنما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر ((): ( أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد وأما العتق فهو رد في الرق لمواليه وأي الفريقين أقاموا البينة على إنه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقاً) وقد عمل بمضمونها الشيخ (() في النهاية ومن تبعه ورد الأكثر بضعف السند لجهالة الراوي أو غلوه ومخالفتة الخبر لأصول المذهب بوجوه منها الحكم برد العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه وادعائه فساده ومدعي الصحة مقدم على مدعي الفساد ومنها حكمه بمضي الحجة مع إن ظاهر الأمر حجه بنفسه وقد استناب فيها ومنها مجامعة صحة الحج لعوده رقاً مع إنه قد حج بغير إذن سيده ومنها أنه كيف يدعي مولى الأب شراءه بماله ولم يكن له عنده العبد المأذون مال ومنها إن ظاهر الإذن في التجارة كونها للمولى فلا تصح معاملته لغيره كي تترتب عليها صحة الحج ومنها إن أمر الدافع وكالة في الشراء والعتق وقد مات والوكالة تبطل بالموت فلا يصح التصرف ومنها إنه لو كان وصاية لبطلت أيضاً لعدم دخولها في التجارة المأذون بها فلم يأخذوا وبمدلولها ولم يعملوا بمضمونها فمنهم وهم الأكثر حكموا بأن العتق لمولى المأذون لأن يد المأذون يده وقد اشتراه وإقراره لا يمضي على سيده لأنه إقرار في حق الغير وما يقال إنه وكيل فقوله مصدق ومردود بأن الظاهر إنه مأذون أولاً وبأنه لو كان وكيلاً أيضاً لا يصدق على سيده لأن اليد يد سيده وليس العبد كالحر في التوكيل وعلى ما ذكره هؤلاء لا فرق بين العبد المعتق أباه المأذون أم لا وإن تضمنت الرواية الأول لاشتراكها في مقتضى ترجيح قول ذي اليد ولا بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله لو كان قد دفع له مالاً وبين عدمه لأنه في الأول مدع للفساد ومدع الصحة مقدم وفي الثاني خارج والداخل مقدم والرواية تضمنت الأول ولا بين استئجاره على الحج وعدمه لعدم مدخلية ذلك في الترجيح وإن تضمنت الرواية الأول ومنهم من حكم بصحة البيع والعتق والحج لأن المراد من الحج وقوعه من مباشر معين وذلك لأنه ذو يد فما ادعاه مسموع كالوكيل وهو مبني على أن للعبد يد كالحر وإنه لو كان وكيلاً يسمع قوله ولو في معارضة مولاه لا يخلو من قوة كما لا يخلوان من إشكال ومنهم من حكم بذلك أيضاً ولكن بشرط عموم إذن المولى له ليكون إقراره مسموعاً على مولاه وفعله ماضياً بالنسبة إلى الدافع ومولى الأب بعد ثبوت الفرض وهذا أقوى مما تقدم ومنهم من قال وقد يقال بأن مولى الأب إن اعترف بمأذونيته على وجه يعم الشراء لغيره لم يسمع قوله وإلا سمع أو يقال بأن ورثة الدافع إن أقروا بتوكيل مورثهم للمأذون على البيع والعتق والحج لزم الجميع وإن أقروا بالبعض لزم ذلك البعض وإن أنكروا الجميع أو البيع وحده فلا بيع إلا مع الإجازة وقد اعتذر بعض عن بعض مما ذكرنا من مخالفة الرواية للقاعدة من تقديم قول مولى الأب وهو مدع الفساد ومدعي الصحة مقدم بأن مولى الأب منكر لوقوع البيع لا مفسد له وفيه ضعف لمنافاته النص والفتوى وبأن المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ومع تصادم الدعاوى يرجع إلى أصالة بقاء الملك على ملك مالكه ولا يعارضه تقديم دعوى الصحة على دعوى الفساد لأنها مشتركة بين متقابلين متكافئين هما مولى المأذون وورثة الآخر فيتسقطان وفيه منع تكافئهما مع كون من عدا مولاه خارجاً والدليل متقدم فسقطا دونه ولم يتم الأصل وهو بقاء الملك ومنه يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأخرين لخروج الأمر وورثيه عما في يد المأذون التي هي بمنزلة سيده والخارجة لا تكافئ الداخلة والداخلة متقدم وإقرار المأذون بما في
يده لغير المولى غير مسموع في حق المولى وفقه المسألة أن يقال إن المأذون إن خصت إذنه على التجارة لمولاه فهو في فعله باطل ولا يدله فيصدق قوله بل اليد لمولاه وهو مصدق بما في يد عبده فيبطل العقد ويرجع المال إلى المولى وإن عم إذنه في التجارة له ولغيره وكان الشراء بالوكالة مع حياة الدافع وإن كان خلاف ظاهر الرواية صح الشراء وكان القول قول المأذون في أنه للدافع ولورثته مع يمينه وتسقط دعوى مولاه ودعوى مولى الأب بعد الإقرار ببيعه ويحكم بفساد العتق والحج وإن كانت عامة للتجارة ولغيرها له ولغيره كان القول قول المأذون في ملكية الدافع للرقبة وعتقها وحجها مع اعتراف الوارث بما ادعاه على مورثهم وإن اعترفوا بالتوكيل على الشراء فقط كان الملك لهم ولا عتق ولا حج فيرجع الباقي إليهم وإن اعترفوا بالعتق دون الحج صح العتق وطولب بما بقي للحج وإن أنكروا الجميع فالعبد على حاله فيبقى الأب ملكاً لصاحبه وأما دعوى مولى الأب فلا يسمع بعد إقراره وعمله الدالين على صحة فعله هذا كله مع عدم البينة ومعها فإن أقام مولى الأب والدافع بينة حكم له ببينته لأن كلاً منهما خارج وإن أقامهما معاً احتمل رجوع المسألة إلى مسألة التداعي واحتمل تقديم بينة مولى الأب لإدعائه الفساد بخلاف ورثة الدافع وتقديم الورثة مع الإنكار ولو أقام الإذن مع أحدهما أو مع كل منهما بينة قدمت بينته على بينتهما وإلا فالترجيح لبينة ورثة الدافع عملاً بمقتضى أصالة صحة البيع مع احتمال تقديم بينة مولى الأب لادعائه ما ينافي الأصل وهو الفساد فيكون كالخارج ولأن الأصل بقاء الأب على ملكه مع احتمال الرجوع إلى حكم التداعي وتصادم البينات والأخذ بما هو الأحوط هو الأحرى في هذه المقامات.
القول في السلم والسلف: