انوار الفقاهة-ج2-ص120
حادي عشرها: المزابنة والمحافلة وهي بيع ثمر النخل مطلقاً بثمر مطلقاً منه أو مطلقاً كما في بعض الأخبار أو بيع السنبل بحب منه أو مطلقاً كما في بعض الأخبار وعبر به الفقهاء الأخيار أو الثاني على ما كان في بعض آخر من الأخبار ولا يبعد صحة إطلاق كل منهما جمعاً بين الأخبار وما فسره به الأصحاب وعلى كل حال فهما محرمان نصاً وفتوى وإجماعاً إذا كان عوض ثمر النخل ثمر منه أو كان عوض السنبل حب من حنطة أو غيرها والظاهر عدم الفرق بين أن يكون العوض تمراً أو غيره من ثمر النخل لظاهر الفتوى والإجماع وإن اختص ذكر التمر في الأخبار دون غيره وهو منزل على الغالب أو على إطلاق التمر على سائر ثمرة النخل وكذا لا فرق في السنبل بين الحنطة وغيرها وإن ظهر من كثير من الأخبار تخصيص الحنطة وكذا يراد بالزرع في الأخبار هو السنبل لأنه قبله حشيش يباع بكل شيء وأما إذا كان عوض الثمر ثمراً أو حملاً من غيره وعوض السنبل حباً من غيره مجانساً له ففي دخولها في اسم المزابنة والمحافلة وتحريمهما أو تحريمهما وإن لم يدخل في اسمهما وعدم دخولهما وعدم تحريمهما قولان الأول للإجماع المنقول والشهرة المنقولة والأخبار المعتبرة الدالة على أنهما بيع الزرع وهو سنبلة بالبر وبيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر والخبر الآمر بشراء الزرع بالورق محللاً بأنه أصله المشعر بعدم جواز بيعه بطعام والخبر عن العرية لرجل تكون في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمراً ولا يجوز ذلك في عيره وهو نص في المطلق لو منعنا بيع العرية بثمر منها وهذا القول هو الأقوى ولو باع الثمرة بتمر واشترط كونه منها فهل يدخل في المتفق على منعه أو في المختلف فيه وجهان والقول الثاني استناداً للأصل والعمومات وهي مخصصة بما ذكرنا وللأخبار الدالة على الجواز منها لا بأس أن يشتري زرعاً قد تسنبل وبلغ بحنطة وفيه ضعف عن مقاومة ما قدمنا مع شموله لما أجمع على خلافه من البيع بحب منه فحمله على اختلاف الجنس أولى ومنها عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد قال: (فليبعه بما شاء) وفيه مع ضعف سنده وشموله للمجمع على منعه اختصاصه بالحصائد وهي غير الزرع فلعلنا نجوزه فيها دون الزرع والحق عدم جوازه مطلقاً فيكون من قبيل العام المخصوص ومنها عن رجل اشترى أرضاً على أن يعطيه من الأرض قال: (حرام) قلت: جعلت فداك فإن اشترى منه الأرض بكيل معلوم حنطة من غيرها قال: (لا بأس) وفيه ما قدمنا إن مورده بيع الأرض لا الزرع والتجوز فيها عنه لا داعي له ومنها في رجل قال لآخر بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أكثر أو أقل يسمى ما شاء فباعه فقال: (لا بأس به) وقال: (التمر والبسر من نخلة واحدة لا بأس) وفيه إنه وإن صح سنده فقد اشتمل على ما أجمع على بطلانه سيما مع التصريح في آخره فيه وذلك مما يوهنه ويضعفه عن مقاومة ما قدمناه من الأدلة ومنها في رجل كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر وكان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك فأتى النبي (() فبعث النبي (() عليه فقال له: (خذ ما في نخله بتمرك) الحديث وفيه ضعف السند والدلالة لعدم التصريح فيه بالبيع فلعله كان وفاءاً وصلحاً ولا شك إن الممنوع منه في النص والفتوى هو البيع دون غيره كما إن الممنوع منه هو ثمرة النخل والزرع دون باقي ثمرات الأشجار وما لم يسم زرعاً له سنبل كالبقول والخضروات ونحوها إلا أنه يجني المنع من جهة اتحاد العوض والمعوض فيما لو كان المبيع شيء منه وهو خلاف قواعد المعاوضة وأما احتمال إن المانع من ذلك هو لزوم الربا بين المتجانسين أو المانع هو بيع الرطب باليابس فيما كان أحدهما رطباً وكان الآخر يابساً قضاءاً للعلة في منع بيع الرطب بالتمر فهو مردود بما تقدم في باب الربا من أن الممنوع في باب الربا وفي باب بيع الرطب باليابس هو ما كان مقدراً بالكيل والوزن فعلاً ولا شك إن الثمرة على الشجرة والحب على الأصول لا يدخله التقدير بوجه من الوجوه.
ثاني عشرها: يستثنى من حكم المزابنة العرية بالنص والإجماع فيجوز شرائها بخرصها تمراً أي بقدرها المخروص وفي المعتبرة وخص رسوا الله (() في العرايا أن يشتريها بخرصها والقدر المتيقن جوازه من النصوص والفتاوى إن العرية هي النخلة دون غيرها من الأشجار الواحدة دون المتعددة الكائنة في دار غير المالك فيشتريها صاحب الدار من المالك وهل يشترط ملك الأصل مع الثمرة أو يكفي ملك ثمرتها لصاحبها ولا يبعد الأخير وان يكون بخرصها دون ما زاد وما نقص تمراً دون غيره وأن يكون التمر من غيرها لا منها والأقوى تعدية الحكم للبستان لظاهر فتوى الأصحاب والإجماع المنقول في الباب وإطلاق بعض الأخبار وبما نقل عن أهل اللغة من العموم لذلك ويلحق بالبستان الخان ونحوه لبعض ما ذكرنا وكذا الأقوى تعديته لغير مالك عين الدار من المستأجر وشبهه لبعض ما ذكرناه وتنقيحاً للعلة وفي تعديته للمستعير إشكال ولا يشترط فيها مطابقة ثمرتها جافة لثمنها في الواقع بل تكفي المطابقة في ظن الخارص كما هو المفهوم من النص والفتوى فلو زادت عند الجفاف عليه أو نقصت عنه لم يقدح في الصحة خلافاً لمن اعتبر المطابقة وعليه التصرف بالنخلة بالأكل ونحوه قبل الاستعلام وهو خلاف ظاهر الأدلة وكذا لا يشترط فيها التقابض في المجلس خلافاً لمن اشترطه وهو ضعيف وهل يشترط المماثلة بين تمرة النخلة غير صيرورتها تمراُ وبين التمر الذي هو ثمنها والمماثلة بين ما عليها رطباً وبين التمر وذلك لاستلزام بيع الرطب متساوياً وهو ممنوع أو لا يشترط لإطلاق النص ولأن الممنوع منه هو المقدر كيلاً ووزناً لا ما كان على رؤوس النخل والأخير هو الأقوى إلا أن الأول نسب للأكثر بل للكل فالتعدي عما هم عليه مشكل هو بيع جزء منها مشاع كبيع كلها تنقيحاً للمناط أو للاقتصار على المنصوص وهل يشترط اتحاد صاحب الدار الظاهر ذلك وهل يشترط حلول الثمرة ظاهر الأصحاب ذلك ولا يجوز بيع ما زاد على الواحدة لظهور الحكم في الواحدة وهل يجوز بيعها بتمرها الظاهر عدم الجواز أخذاً بالقواعد من لزوم تغاير الثمن ونسب للأصحاب.