انوار الفقاهة-ج2-ص79
أحدها:التدليس عرفاً وشرعاً إظهار ما يوجب الكمال مع عدمه وإخفاء ما يوجب النقص مع وجوده ولو أخفى الكمال وأبدى النقص لم يكن تدليساً وهو حرام بالنص والإجماع وقد يتعلق بالعيب بغيره من الصفات الرديئة والأحوال الرذيلة والأسباب المذمومة وكذا الآجال والأمكنة ورؤوس الجبال إذا كانت مكروهة عند المنقول وخصه بعضهم بكتمان العيب عن المشتري وهو بعيد ولعله أراد بالعيب الشيء الرديء ويشترط فيه أن يكون الشيء بنفسه مشتملاً على التدليس فلا يدخل فيه ما إذا اغتر المشتري لنفسه لغباوة أو لظلمة أو لحسن ظن بالبائع أو لقلة تأمل وكان الشيء ممن يعتاد ترتيبه وصقالته كالسيوف فيشترط في تحريمه أيضاً أن يكون بقصد التدليس والتمويه على المشتري فلو كان لا بقصد أوكان بقصد آخر لم يكن حراماً وعلى كل حال فالتدليس مما يوجب الخيار بين الرد والإمساك مجاناً ولا إرش له إلا إذا تضمن تدليس عيب فالإرش للعيب وإن تضمن تدليس شرط أوصف اجتمعت الخيارات وكان للمشتري الرد بأيها شاء وإسقاط أيها شاء ولا أرش له أيضاً مع الإمساك كما إذا اجتمع معها خيار حيوان أو مجلس أو اشتراط أو تأخير أو غبن أو نحو ذلك وما يسقط الرد بالتصرف مع العلم بالتدليس لما تشعر به الاخبار من أن التصرف بمنزلة الرضا على الإطلاق من دون تفصيل بين أنواع الخيارات وبين حالتي العلم والجهل ولشمول حديث لا ضرار له أو لا يسقط المنع الشمول في تلك الأخبار لجميع أنواع الخيار ولحالتي العلم والجهل لورودها في مواردها خاصة فيشك في شمولها لغيرها ومنع شمول حديث نفي الضرار لما إذا كان وقع التصرف جهلاُ لمعارضته بغرر المشتري من دون جابر له من أرش وغيره وترجيحه على ضرر البائع لابتداء البائع بالضرر وإقدامه عليه.
ثانيها:التصرية من الصري وهو الجمع مطلقاً أو جمع الماء ويراد بها في لسان الفقهاء جمع اللبن في الضرع بشد إخلاف الشاة أو البقرة أو الناقة أو كلما كان الغرض منه اللبن أو بإمساك الإخلاف بطريق غير الشد وإبقائها اليوم واليومين والثلاثة من دون حلب فيعرضها على المشتري فيظن كثرة حذف اللبن فيرغب في شرائها وتسمى المصراة محفلة من الحفل وهو الجمع ويسمى الجمع محفلاً وهي تدليس على الأظهر لا عيب وإن ذكروها في أحكام العيوب نعم قد يجتمع معها العيب بان يكون لبنها قليلاً خارجاً عن عادة بلد نوع ذلك الحيوان وتحريمها ثابت بالنص والفتوى والاعتبار إذا وقعت بالقصد وإلا خيار فيثبت بها الخيار على كل حال لدليل نفي الضرار وللخبر الخاص المجبور ضعفه بفتوى الأصحاب والإجماع المنقول أوالمحصل في الباب الناهي عن تصرية الإبل والغنم وإنه خداع وإن من أشترى مصراة كان له ردها ويرد معها صاعاً من تمر وعجزه وإن لم نقل به لا ينافي الاستدلال بصدره وتحريمها لا ينافي صحة المعاوضة لتعلق النهي بأمر خاص خارج ولفتوى الأصحاب ويجري التصرية تحريماً وخياراً وإن لم يصدق الاسم على كل جمع قصد به التدليس كجمع الماء في العين ليرى كثرة مائها فيرغب في شرائها أو جمع فواكه البستان في موضع خاص ليرغب في شرائه أو جمع المجزوز من الصوف ليرغب في شراء الشاة أو جمع لبن سائر الحيوانات وإن لم تكن من الثلاثة المذكورة وأما حكم التصرية غير التحريم والخيار من الأحكام اللاحقة لها من جواز ردها مع التصرف بلبنها أو تلفه ومن رد شيء معه على قول ومن رد المتجدد على قول ومن التحديد بالثلاثة فهو خاص بالثلاثة فقط وهي الشاة والبقرة والناقة اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد اليقين للإجماع المحصل في الشاة في الجملة والإجماع المنقول وفتوى جمهور من الأصحاب في الأخيرين والحق بعضهم الأثان والأمة بالثلاثة المذكورة تنقيحاً للمناط وربما يلحق بها كلما كان القصد فيه إلى اللبن ولكنه لا يخلو من نظر وللتصرية في الثلاثة المذكورة أحكام.