انوار الفقاهة-ج2-ص56
تاسعها: لا يحرم بيع ما لم يقبض من ثمن أو مثمن كلي أو عين إذا لم يكن الكلي مؤجلاً وإن لم يكن له حكم آخر مكيلاً أو موزوناً أو معدود أو غيرها طعاماً أو غيره تولية كان البيع أو غيرها وضيعة كانت أو غيرها انتقل إلى البائع ببيع أو غيره من ميراث أو صدقة أو صلح أو صداق أو غيرها توسط بين البيع الأول والثاني غير البيع من ميراث أو صداق ونحوها أو لم يتوسط كال ذلك للأصل وعمومات العقود وإطلاقات أنواعها كتاباً وسنة وللأخبار المتكثرة الدالة على أن البيع بعد الشراء وإن الشراء بعد ما يملكه وفيها ظهور في الجواز قبل القبض وإنه لا بأس ببيع الثمرة قبل أخذها وإن من اشترى طعاماً قبل أن يكيله قال ما يعجبني وهو ظاهر في الجواز وإن من اشترى طعاماً فطلبه التجار قبل أن يقبضه قال لا بأس وإن من اشترى طعاماً فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه وهي لكثرتها واعتضادها بالشهرة المنقولة بل المحصلة لا محيص عن العدول عنها والحكم في غير المكيل والموزون حتى المعدود وفي غير الطعام مكيلاً أو موزوناً كالزرع القائم ونحوه لا إشكال فيه فتوى ونصاً لما دل على نفي الباس عن بيع ما لا يكال ويوزن قبل قبضه كرواية البر وفيها التعليل بأنه ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال وكالصحيح فإن لم يكن فيه كيل ووزن صنعه إلى غير ذلك وكذا لا إشكال أيضاً فيما انتقل بغير بيع ولو كان أصله بيعاً على الأظهر وكذا فيما أريد نقله بغير بيع أيضاً خلافا للشيخ في إلحاق الإجارة معللاً بأنها ضرب من البيوع وفي الكتابة بأنها بيع العبد من نفسه وكلاهما باطل مضافاً إلى أن العبد لا يكال ولا يوزن وإنما وقع الإشكال والخلاف فيما يكال ويوزن وفي الطعام أما لكونه مما يكال ويوزن أو لكونه طعاماً فذهب جمع من أصحابنا إلى تحريم بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه مطلقاً للأخبار الناهية عنه قبل قبضه وقبل كيله أو وزنه في بعض آخر وقبل قبضه أو كيله في ثالث بناءً على أن الكيل والوزن في الاخبار هو القبض حكماً أو اسماً كما تقدم وذهب جمع آخر إلى تحريمه إذا كان طعاماً للأخبار الدالة على النهي عن بيعه قبل كيله والدالة على النهي عن بيعه قبل قبضه وهي متكثرة وقد نقل على مضمونها الإجماع غير واحد والدالة على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل قبضه بناءً على تبادر الطعام منه وإلا فالعام من وجه إذا كان كل منهما منهي عنه أخذ بكل منهما ولا تعارض والظاهر أنهم يحكمون بالفساد أيضاً لمكان النهي المتعلق بنفس المعاملة مع احتمال العدم لاحتمال أن النهي لا يقضي بالفساد ههنا وذهب جمع ثالث إلى اختصاص التحريم بغير التولية للصحيح الدال على جوازه في التولية ويظهر من رابع إلحاق الرضيعة بالتولية لمفهوم الصحيح إذا ربح لم يصلح حتى يقبض وما دل على مساواة الرضيعة للمرابحة في عدم جواز لا يعارض مفهوم الصحيح لضعفه عن مقاومته وجميع هذه المذاهب ضعيفة لضعف دليلها بوهن الإجماع بمخالفة المشهور وعمومات الأدلة وضعف الأخبار باشتمالها على لا يصلح ولا يعجبني ومفهوم لا بأس وكلها ليبست صريحة في التحريم ولئن سلمنا فغاية ما تدل عليه النهي عن البيع قبل القبض أو الكيل والوزن ودعوى أن الكيل والوزن قبض محل كلام ولئن سلمنا فاستثناء التولية لا بد منه للخبر الصحيح مع أن المشهور بين القائلين بالتحريم عدم الاستثناء ولئن سلمنا فحمل النهي على الكراهة أولى من الأخذ به في معارضة ما هو أقوى منه وأولى من طرحة بعد شيوع استعمال النهي في الكراهة وتكثره في الأخبار فالظاهر حينئذ كراهة بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه أو كيله ووزنه فإن نقل وقلنا أن النقل كاف في قبضه فلا كراهة إن كيل أو وزن وإن لم يقبض بناءً على أن الكيل والوزن ليسا قبضاً فلا كراهة أيضاً والظاهر أن كراهة الطعام لكونه من المكيل والموزون كما تشعر به الأخبار فلو كان على حال لا يكال ولا يوزن فلا كراهة وهل المراد بالطعام الحنطة والشعير أو كل الحبوب أو كل ما أعد للآكل وجوه أوجهها الوسط ومع ذلك فالأحوط في الطعام التي هي الحبوب عدم بيعها مع عدم كيلها أو وزنها من المشتري الأول كما اذا ذهب أخذها بتصديق البائع أو أخذ قدراً من صبره يعلم اشتمالها عليه أو أخذ كلياَ غير معين في قدر مخصوص فباعه قبل قبضه بل الأحوط عدم بيعها إلا مع نقلها قبل الكيل والوزن او بعده كي يتحقق القبض الشرعي والعرفي والحوالة ليست بيعاً بل هي إما معاوضة برأسها أو استيفاء فلا بأس باحتيال من له عليه طعاماً على من له عليه طعاماً ولو كان قد ملك الأول ببيع وفي الموثق ما يدل على جوازه ربما قيل بالكراهة ولا بأس بالعمل بها تسامحاً بأدلة السنن ولو اشترى طعاماً ثم أمر البائع أن يدفعه وفاءً عنه لغريمه قبل قبضه جاز ولا بأس به لأنه ليس بيعاً أما لو باع شخص طعاماً كلياً فأمر المشتري أن بقبض عوض الكلي طعاماً آخر من شخص قد اشترى منه طعاماً كلياً أيضاً ولم يقبضه ففي دخوله في بيع الطعام قبل قبضه لتشخيص الكلي في الفرد فكأنه هو أو عدمه لوقوع العقد على الكلي والفرد وفاء لا مبيع وجهان والأظهر الجواز والصحة على جميع الاقوال لعدم وقوع البيعين على الطعام الشخصي ابتداءً بل هو إما وفاءً للكلي أو محال به والجزئي ليس هو عين الكلي نعم قد يشكل الحال في أنه لو لم يكن حوالة وكان نفس الفرد وفاءً لزم منه صيرورة الفرد عوض الكلي الذي في الذمة وفاءاً ويجوز دفعه من الغريم من دون قبض من الديان ولو كان لشخص على آخر طعاماً فأعطى المطلوب الطالب دراهم ليشتري بها طعامه الذي يطلب به فإن كان نوى التوكيل له في الشراء ثم القبض عنه ثم القبض مرة أخرى بنفسه وفاء صح من غير إشكال وكذا أن نوى أن نفس الدراهم وفاء له ويكون الأمر بالشراء للإرشاد ومثله ما لو نوى أن الدراهم قرض عليه فيشتري بها لنفسه طعاماُ ثم يقع الحساب بعد ذلك أما لو قصد أن الدراهم تبقى في ملك المطلوب إلى أن يشتري الطعام فينوى أن الشراء له كي يكون الطعام وفاء له فيملك الطعام حين الشراء ففي صحته إشكال لان انتقال الطعام إليه بنية الشراء لنفسه والحال أن الثمن مال الغير وإن أذن الدافع له بذلك مما يشكل تصوره ويشكل دخوله في الفضولي مع الإجازة وكذا صيرورة الطعام وفاء له بنفس الشراء أو بعد الشراء من دون توكيل له في القبض والاستيفاء وقد ورد في عدة أخبار ما يدل على المنع من تولي شراء الطالب بالدراهم المدفوعة إليه من المطلوب طعاماً لوفائه بل يولي ذلك غيره وهو أما محمول على ما قلناه من الصورتين الأخيرتين أو محمول على الكراهة أو الإرشاد إلى تجنب ذلك خوف الاتهام له ولو كاتب العبد بعد شرائه قبل قبضه جاز وليس من موضع الخلاف خلافاً للشيخ ره ولو باع الثمن قبل قبضه ففي إلحاقه بالمبيع تنقيحاً للمناط أو عدمه لمنع قطعيته وجهان أوجههما الأخير وكذا لو جعله ثمناً لا معيباً ويقوى الوجه الأخير فيه.
عاشرها :لو أنكر المشتري وصول المبيع إليه كلاً أو بعضاً فالقول قوله بيمينه سواء حضر الكيل أو الوزن أو العد أو المشاهدة ونحوها ولو ادعى النقصان بعدما ظهر من حاله القبض التام بقول أو فعل كما إذا حضر الكيل والوزن ولم ينكرهما حالة الحضور فالمشهور ونقل عليه الإجماع أن القول قول البائع ليمينه خلافاً لمن أنكر ذلك مستنداً لقواعد الدعاوى ومستضعفاً للإجماع المنقول وفيه أنه منجبر بالشهرة المحصلة فلا يمكن المحيص عنه وعلى ذلك فيلزم الاقتصار على مورد اليقين من كونه مبيعاً لا ثمناً مع احتمال تنقيح المناط ومن كونه بيعاً دون غيره من العقود ومن كونه مكيلاً أو موزوناً دون المعدود والمذروع والمشاهد وقد يحكم بموافقة قول البائع للقواعد لان الظاهر احتياط المشتري عند حضوره وعدم غفلته وأخذه الشيء تاماً فيوافق قوله الظاهر ولان أخذه المال بعد حضوره وعدم إنكاره بمنزلة اعترافه بوصول حقه إليه فدعواه بعد ذلك بمنزلة الإنكار بعد الإقرار ولأصالة وبراءة ذمة البائع من الحق بعد اعتراف المشتري بقبضه والفرق بين حضوره وعدمه في أن الأصل عدم وصول حق المشتري في الثاني دون الأول هو كون الحضور بمنزلة الإقرار والكل لا يخلو من نظر والفرق بين إدعاء النقص القليل فلا يسمع قول البائع لإمكانه وبين الكثير فيسمع لبعد خفائه عن المشتري ضعيف أيضاً نعم لو استلزم إدعاء المشتري فساد مجموع العقد وعدم صحته في المقابل الناقص البيع صرف أو سلم اتجه تقديم قول البائع لأصالة الصحة على تأمل في المقام.