انوار الفقاهة-ج1-ص3
ثالثها: العين المستأجرة أمانة بيد المستأجر إذا تسلمها بإذنه لا تضمن من دون تعد أو تفريط سواء تلفت في مدة الإجارة أو بعدها وسواء تلفت في زمن ردها إليه أو قبله وسواء ردها فوراً أم متراخياً أو لم يردها أصلاً بعد أن خلى بينه وبين صاحبها لعدم وجوب الرد عليه ويدل على ذلك كله إطلاق الأجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحصلة وللصحيح فيمن استأجر دابة فأعطاها غيره فتلفت قال إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها وإن لم يسم شيئاً فلا شيء عليه ولرواية البغل حيث أوجب على المتعدي عليه إذا جاء به كسراً أو دبراً أو عقراً قيمة ما بين الصحة والعيب يوم يرده عليه وللخبر (إن عطب الحمار فهو ضامن) وللنصوص النافية للضمان في العارية المعللة بكونها أمانة للنصوص الواردة في عدم ضمان الأجير لما يتلف في يده إذا كان أميناً والواردة في عدم ضمان الأجير إذا هلك بيد المستأجر ولأصالة عدم الضمان وانصراف أدلته إلى غير الأمانة أو إليها مع التعدي والتفريط وبهذا يظهر ضعف من ذهب إلى ضمان العين المستأجرة بعد مدة الإجارة إن لم يردها فوراً بناءاً منه على وجوب ردها فوراً وفيه مع ذلك منع لزوم ردها فوراً ومنع صيرورتها بعد المدة أمانة شرعية لاستصحاب عدم الضمان المتحقق أولاً ولأنها مأخوذة بإذن المالك من غير اشتراط للرد منه فالإذن قاض ببقائها إلى أن يطالب بها فإذا طالب بها وجب على المستأجر التخلية لأنه هو المتيقن ولا يجب عليه الرد ولا مؤنته ولو شرط في عقد الإجارة الضمان فالأقوى فساد الشرط لمنافاته لمقتضى العقد فيفسد العقد بفساده كما هو الأقوى أيضاً وهل تضمن العين حينئذ بالعقد الفاسد لعموم دليل الضمان أولا تضمن لأن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وجهان والأخير بناءً على عموم لفظ للمعقود عليه نفسه كالمنفعة وللوازمه كالعين لا يخلو من إشكال ويحتمل الضمان ههنا بالخصوص دون غيره من العقد الفاسد للإقدام على الضمان بالشرط وهو حسن وقيل يصح الشرط لعموم دليل الشروط وللخبر فيمن استأجر سفينة للطعام وشرط أن نقص الطعام فعليه فقال جائز وفي آخر (لصاحب الطعام) الزيادة وعليه النقصان إن كان شرط عليه ذلك وفي الخبر ضعف والعموم وموهون بفتوى المشهور على خلافه فالأقوى العدم ولو كان تلف العين بفعل المستأجر لعموم دليل الضمان وللقاعدة القاضية بتضمين مباشر الإتلاف وإن لم يكن متعدياً أو مفرطاً.
رابعها:كلما تصح إعارته بحسب أصل وضعها الشرعي من الأعيان المنتفع بها مع بقاء عينها تصح إجارته لعموم الأدلة وللإجماع المنقول قيل ولأن الإجارة عرفاً ولغة بمعنى العارية لأن في كل منهما تسليطاً للمدفوع عليه على المنفعة إلا أنهما يفترقان بالعوض واللزوم وعدمهما والمنحة وإن صحت إعارتها ولا تصح إجارتها إلا أنها ليست بحسب وضعها الشرعي بل للدليل الدال على ذلك فإلحاق الإجارة به قياس والأصل في الإجارة استيفاء المنفعة مع بقاء العين فلو كان الاستئجار لتلف العين ابتداءً وللنماء الحاصل في الأعيان بطلت الإجارة لاختصاص أدلتهما باستيفاء المنافع المجردة عن تلف الأعيان نعم قد يلزمها تلف الأعيان بمرور الزمان وكثرة الاستعمال ولكنه غير مقصود بالذات وإما استئجار الحمام والبئر لإتلاف مائهما أو لملكه على بعض الوجوه كالاستئجار للرضاع جاء به الدليل أو أن الملك والإتلاف يجيء تبعاً وسيجيء الكلام إن شاء الله تعالى وليس كلما يصح إجارته بحسب أصل وضعه شرعاً تصح إعارته لجواز استئجار الحر وعدم جواز إعارته كما أنه ليس كلما لا يصح إعارته لا يصح إجارته نعم يلزم القاعدة الأولى كلما لا يصح إجارته لا يصح إعارته لأنه لو صحت إعارته لصحت إجارته.