احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص183
ويدل على التحريم بعد ما سمعت من الإجماع عموم (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)(3)، وهو الذي أشار إليه العلامة (() بعموم النهي(4)، ويمكن المناقشة في ذلك بأنا إن فرضنا (السبق) في الخبر محرّك الباء كما عن المسالك أنه المشهور في الرواية(5) لم يكن في الخبر دلالة على التحريم؛ لأن (السبق) بالتحريك العوض، فلا يدل إلا على تحريم المراهنة، على أنه قد يمكن منع دلالته على تحريم المراهنة أيضاً، بل قصارى ما يدل على فساد المراهنة، وهو الأظهر على التحريك، لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه، وإرادة نفي جواز العقد عليه بعيدة، فلا دلالة في الخبر على التحريك إلا على فساد المراهنة، وإن فرضنا السكون في الخبر لم يكن فيه دلالة على التحريم أيضا بل قد تكون دلالته على الفساد أظهر، لأن نفي كل من الجواز والصحة محتمل بعد تعذّر حمل النفي على الحقيقة، ولا شك أن نفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة وأظهر من مثل هذه التراكيب كما لا يخفى على من تأمل، فينزَّل الخبر على الغالب من اشتمال المسابقة على العوض.
وكيف كان فالاستدلال على التحريم لا يخلو من تأمل.
وربما استدل بعض المتأخرين على ذلك بأدلة القمار بناءا على أنه مطلق المغالبة ولو بدون العوض، قال: ( كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية(6) بكون اللعب بالنرد والشطرنج بدون العوض قماراً، ودعوى أنه يشترط في صدق القمار أحد الأمرين، إما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار وإن لم يكن عوض، وإما المغالبة مع العوض وإن لم يكن بالآلات المعدة للقمار – على ما يشهد به إطلاقه في رواية الرهان بالخف والحافر – في غاية البعد، بل الأظهر أنه مطلق المغالبة، ويشهد له أن إطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة في مفهوم القمار كما في سائر الآلات المضافة إلى الأعمال، فالآلة غير مأخوذة في المفهوم، وقد عرفت أن العوض غير مأخوذ فيه فتأمل)(1)، انتهى.
وفيه ما لا يخفى من أن معرفة المعنى اللغوي إما أن تكون بالنص من أهل اللغة أو بالتبادر العرفي مع ضميمة عدم النقل.
والظاهر أن كل واحد من الأمرين المذكورين مفقود في المقام، والقدر المتيقَّن من كلام أهل اللغة والمتبادر منه هو اللعب بالآلات المعروفة له مع الرهن، وإطلاق القمار على اللعب بالنرد والشطرنج من دون عوض لا يقتضي كونه معنى حقيقياً للقمار، كما أن الإطلاق في قولهم آلة القمار لا يقتضي ذلك، ودعوى أن الآلة غير مأخوذة في المفهوم مطلقا ممنوع، وكونها – غير مأخوذة في معنى اللفظ في هذا التركيب وهو آلة القمار – لا يقتضي كونه معنى حقيقيا للفظ فتأمل.
وعن سيد الرياض (أنه استدل على التحريم هنا بما دل على حرمة اللهو)(2)، وفيه أن ذلك لا يتم مطلقاً، لأنه قد يتعلق بهذا الفعل في بعض المقامات غرض صحيح فيخرج بذلك عن صدق اللهو فيُحكم حينئذ عليه بعد عدم شمول أدلة اللهو له بالإباحة إلا أن يدّعى عدم القول بالفصل بين أفراد هذا الموضوع وهو في غاية الإشكال والله أعلم.