احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص168
والظاهر أن كل واحد من الأمرين المذكورين مفقود في المقام، والقدر المتيقَّن من كلام أهل اللغة والمتبادر منه هو اللعب بالآلات المعروفة له مع الرهن، وإطلاق القمار على اللعب بالنرد والشطرنج من دون عوض لا يقتضي كونه معنى حقيقياً للقمار، كما أن الإطلاق في قولهم آلة القمار لا يقتضي ذلك، ودعوى أن الآلة غير مأخوذة في المفهوم مطلقا ممنوع، وكونها – غير مأخوذة في معنى اللفظ في هذا التركيب وهو آلة القمار – لا يقتضي كونه معنى حقيقيا للفظ فتأمل.
وعن سيد الرياض (أنه استدل على التحريم هنا بما دل على حرمة اللهو)(2)، وفيه أن ذلك لا يتم مطلقاً، لأنه قد يتعلق بهذا الفعل في بعض المقامات غرض صحيح فيخرج بذلك عن صدق اللهو فيُحكم حينئذ عليه بعد عدم شمول أدلة اللهو له بالإباحة إلا أن يدّعى عدم القول بالفصل بين أفراد هذا الموضوع وهو في غاية الإشكال والله أعلم.
ويمكن أن يستدل على ذلك بما دل من الأخبار على حرمة الشطرنج معللة بكونها من الباطل، وبما دل من الأخبار (على أن كل ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر)(3)، وبما دل من الأخبار على (أنا لا نستحب شيئاً من اللعب غير الرهان والرمي)(4)، والمراد بالرهان رهان الفرس، والجميع لا يخلو من تأمل، لولا الإجماع المتقدم والله أعلم.
وكيف كان فلا يجوز عمل آلات القمار سواء قصد بذلك الجهة المحرمة أو المحللة للتوصّل بها إلى الحرام وللفساد العام، لظاهر الإجماع والأخبار، ولا تدخل صورتها في ملك المسلم، وأما المادة فالأقوى ملكيتها، ويجب إتلافها على المتمكن منه من المكلفين وجوبا كفائياً، ولا تضمن المادة لو توقف إتلاف الصورة على إتلافها، ومع عدم التوقف وجهان، وجهٌ: عدم الضمان ليس بالبعيد، وحيث عرفت حرمة مال المقامرة فيجب رده على مالكه مع التمكن منه إذا عرفه بعينه، وإلا فإن كان مشتبها في محصورين وجب التخلص منه بالصلح، واحتمال القرعة ليس بالبعيد، وإن كان مشتبها في غير محصورين كان حكمه حكم مجهول المالك، ولا فرق في ذلك بين مقامرة الأطفال وغيرهم.
ولو أكل من مال المقامرة شيئا ضمنه سواء أكله عالما أو جاهلاً، لأنه إتلاف له، ولا يجب عليه استفراغه، لأنه بعد الأكل لا يدخل في الملك باعتبار كونه من الخبائث، وبعد الخروج عن الملك لا معنى للحكم باستفراغه، وعلى تقدير بقائه في الملك فالظاهر عدم الوجوب أيضاً، لأنه بعد الأكل يكون مضمونا على الآكل بمثله أو قيمته فيدخل في ملك الآكل، وإلا كان المالك جامعاً بين العوض والمعوّض، وفي الجواهر (وهل يجب استفراغه ؟ وجهان، أقواهما العدم؛ لصيرورته حينئذ من الخبائث التي لا تدخل في الملك)(1)، انتهى.