احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص165
نعم يمكن الاستدلال على ذلك ببعض الأخبار التي منها رواية أبي الربيع الشامي في الشطرنج والنرد (قال: لا تقربوهما، قلت: فالغناء، قال: لا خير فيه، اتقربه)(1)، ومنها رواية تحف العقول، من أن ما يجيء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات(2)، ومنها رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ((): (في قوله تعالى: [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ](3) قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب – إلى أن قال – وأما الميسر فالنرد والشطرنج، وكل قمار ميسر إلى أن قال فكل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام محرم)(4)، والمراد من القمار هنا نفس الآلات دون المعنى المصدري، فلا يقال أنه ينصرف إلى الغالب كما مر بقرينة قوله: (بيعه وشراؤه)، وقوله: (وأما الميسر فهو النرد)، ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (() في تفسير الميسر من أن (كل ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر)(5)، ومنها رواية الفضيل قال: (سألت أبا جعفر (() عن هذه الأشياء التي تلعب بها الناس من النرد والشطرنج حتى انتهيت إلى السدر، قال: إذا ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون ؟ قلت: مع الباطل، قال: فما لك والباطل؟)(6)، ومنها موثقة زرارة عن أبي عبد الله (() (أنه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها لعبة الأمير، وعن لعبة الثلث، فقال: أرأيت إذا ميز الله بن الحق والباطل مع أيهما يكون ؟ قال: مع الباطل، قال: فلا خير فيه)(7)، ومنها رواية عبد الواحد بن المختار عن اللعب بالشطرنج، قال: (إن المؤمن لمشغول عن اللعب)(8)، إلى غير ذلك من الأخبار.
فإن التأمل في هذه الأخبار يقتضي الحكم بتحريم اللعب بالآلات المعروفة للقمار وإن لم يكن رهنا وإن قلنا بدخول الرهن في القمار، والله أعلم.
هذا كله إذا كان اللعب بآلات القمار المعروفة له، أما إذا كان بغير آلاته المعروفة له وإن كان مع الرهن، فالظاهر الحرمة وفساد الرهن كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل وعلى المصارعة والطيور والطفرة ونحوها، بل هو من القمار على ما نُقل عن البعض من أن أصل المقامرة المغالبة، وعلى تقدير أنه غيره، فالدليل على الحرمة والفساد نفي الخلاف فيهما في المحكي عن مصابيح الطباطبائي (() وقول الصادق (() أنه قال: (قال رسول الله ((): إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف والحافر والريش، وما سوى ذلك قمار حرام)(1)، وما رواه العلاء بن سيابة عن الصادق (() عن النبي ((): (إن الملائكة لتنظر عند الرهان وتلعن صاحبه ما عدا الحافر والريش والنصل)(2).
إلى غير ذلك من الأخبار المجبورة سنداً أو دلالة، ففي الخلاف (ومع ذلك لا ينبغي التوقف في الحكم) ومع ذلك كله فالعجب من شيخ الجواهر حيث منع من حرمة ذلك، قال: (أما إذا لم يعتد المقامرة به فالظاهر عدم حرمته مع عدم الرهان للأصل وانصراف أدلة المقام إلى غيره، والسيرة القطعية من الأعوام والعلماء في المغالبة بالأبدان وغيرها، وقد روي مغالبة الحسن والحسين (()بحض من النبي (()(3)، بل ومع الرهان أيضا وإن حرم هو، لأنه أكْلُ مال بالباطل دونه، لما عرفت مما لا معارض له، ودعوى أنه من اللعب واللهو المشغول عنهما المؤمن يدفعه منع كونه من اللعب المحرم؛ إذ لا عموم بل ولا إطلاق على وجه يصلح لشمول ذلك ونحوه، خصوصا بعد ملاحظة ما عرفته من السيرة المستقيمة، بل لعله مندرج في ما دل على مداعبة المؤمنين ومزاحهم، بل لو أخذ الرهن الذي فرض لهذا القسم بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو نذر لا كفارة له ومع طيب النفس من الباذل لا بعنوان (أن)(1) المقامرة المزبورة أوجبته وألزمته، وإنها كغيرها من العقود المشروعة أمكن القول بجوازه.