احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص158
وهي من أقسام السحر، وفي المسالك أنها قريبة منه(2)، لكن في السحر ما يقتضي دخولها فيه.
وكيف كان ففي الجواهر عن مختصر النهاية أنها تَعاطي الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان(3)، وفي القواعد أن الكاهن (هو) الذي له رَئيّ من الجن يأتيه بالأخبار(4)، وعن الحكماء أن من النفوس ما تقوى على الاطّلاع على ما سيكون من الأمور، فإن كانت خيّرة فاضلة فتلك نفوس الأنبياء والأولياء، وإن كانت شريرة فهي نفوس الكهنة.
وفي شرح القواعد لجدي ((): ( الكهانة ككتابة عمل يقتضي طاعة بعض الجان، وبالفتح صناعة)(1)، وعلى كل حال فعملها محرم في شريعتنا إجماعاً محصلاً ومنقولاً، فعن الكفاية (لا أعرف خلافاً بينهم في تحريم الكهانة)(2)، وعن الرياض أن الدليل عليه (الإجماع المصرَّح به في كلام جماعة)(3)، وفي محكي ظاهر مجمع البرهان نفي الخلاف في تحريم الأجرة(4)، ويدل عليه بعد الإجماع جملة من الأخبار، ففي خبر مستطرفات السرائر (من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب)(5)، وعطْف الكاهن على الساحر فيه لعله من باب عطف العام على الخاص، وفي خبر الخصال (من تَكهن أو تُكهن له فقد برئ من دين محمد (())(6).
والظاهر أن الكاهن من يخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان أعم من أن يكون مستنده في ذلك إخبار بعض الجان، أو الاستدلال على ذلك بكلام من يسأله أو فعله أو حاله، فدعوى اختصاص الكاهن بالأول كما هو الظاهر من عبارة القواعد(8) لا يخلو من نوع تأمل، وإن كان المنقول عن محكي النهاية ربما يُشعر بذلك، حيث جعل الثاني مما يختص باسم العراف، قال فيه (وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يختص باسم لعراف)(7)، ويمكن أن يُدّعى أن العبارة المذكورة تقتضي التعميم حيث قسم الكاهن إلى قسمين، والعراف قسْم من الكاهن.
وكيف كان فالكاهن من يخبر عن الكائنات في الزمن المستقبل، أما الإخبار عن الكائنات في الزمن الماضي أو الزمن الحال، فهل يدخل في الكهانة أو لا ؟ لا استبعد الثاني، كما يقتضيه التأمل في كلام أهل اللغة وكلام الحكماء.