احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص151
نعم يمكن حمل ما عداها على الحل بغير السحر كالقرآن والذكر والدعاء والتعويذ، وهما مع ضعفهما مخصوصان بتلك الشريعة، وشرعُ من قبلنا حجة ما لم يُعرف نسخه بما عرفت من الأدلة المطلقة مع أنهما معارضان بخبر الاحتجاج، قال فيه ((): (إنهما – يعني الملكين – موضع البلاء وموقف فتنة، تسبيحهم: اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا، ولو يُعالج بكذا لصار كذا، أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج منهما، فيقولان إنما نحن فتنة، فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم)(3)، فعلم أن ما مال إليه المولى الأردبيلي ــ من الجواز(4) للاقتصار في ما خالف الأصل على المتيقَّن بناءاً على ضعف النصوص المثبتة للتحريم على الإطلاق ولا جابر لها من إجماع أو غيره ــ مما لا وجه له؛ لانقطاع الأصل بالأخبار المستفيضة المعمول بها في باب الحدود المعتضدة بالإجماعات الشاملة معاقدها بإطلاقها لذلك، وقد سمعتها، وأخبار الحل مطّرحة أو مخصوصة بغير السحر.
هذا كله في حكمه.
موضوعه
أما موضوعه فعن بعض أهل اللغة: إنه ما لطف مأخذه ودق(1)، وعن بعضهم إنه صرف الشيء عن وجهه(2)، وعن بعضهم: إنه(3) الحق أخرج الباطل بصورة الحق، وعن بعضهم أنه ( الخديعة )(4)، ولا يخفى أنه لا يمكن التعويل على كلام أهل اللغة في المقام للقطع بعدم إرادتهم في ذلك التعريف التام والكشف عن حقيقة السحر، وإنما غرضهم في ذلك الكشف عنه في الجملة وتعريفه ببعض صفاته ولوازمه كما لا يخفى، وللقطع بعدم إرادة هذا المعنى من لفظ السحر الوارد في النصوص والفتاوى وإن كان هو المعنى اللغوي، على أن كلام أهل اللغة لا يمكن إرجاعه إلى معنى واحد لشدة اختلافه، والحكم بكونه مشتركا لفظيا يقتضي التوقف في ما اشتملت عليه النصوص والفتاوى من لفظ السحر.
هذا وكلام الفقهاء في بيان الموضوع المذكور أشد اضطراباً من كلام أهل اللغة، والحال أن كلامهم مخالف لكلام أهل اللغة في المقام، فما ندري أنهم يريدون بيان المعنى اللغوي أو بيان المعنى العرفي العام أو بيان المعنى المتشرّعي، والظاهر من حال أهل كل اصطلاح في مقام البيان بيان ما هو مصطلح عندهم دون غيره من اللغوي والعرفي، ويؤيد ذلك ما عن البحار أنه (في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه، ويُتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع)(5)، وما في مجمع البحرين عن الإمام فخر الدين في تفسيره ما هذا لفظه (ولفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه، ويُتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع )(6)، وظاهرهما أن للسحر معنى شرعيا، وهو أعم من جميع المعاني التي ستأتي، فإن لم يكن شرعيا فلا أقل من كونه معنى متشرّعياً.
وكيف كان فلا إشكال على التقديرين.
وأما كلام الفقهاء فقد اضطرب غاية الاضطراب في بيان الموضوع المذكور.
قال العلامة في القواعد أنه (كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة )(1)، ونحوه المحكي عن المنتهى(2) غير أنه اشتمل على زيادة (أو عقد) وهو داخل في قوله (أو يعمل شيئاً) فلا يكون بينهما فرق أصلا.