احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص150
وكيف كان فقد نسب إلى الشهيدين(1)ــ أُعلي مقامهما ــ وغيرهما القول بجواز تعلم السحر ليُتوقى به ولدفع سحر المتنبي حيث نسب إليهما القول بوجوبه كفاية، وناقشهما في ذلك بعض المتأخرين: (بأنه لا ضرورة في ما ذكروه من التوقّي لندرة تأثيره في إضرار العباد؛ فإنه لا يضر أحداً إلا بإذن الله تعالى، ولو تسلط الساحر بسحره لنَفى عنه الفقر والعدم واستجلب كل محبوب له في الدنيا، والبديهة حاكمة بخلا فه، كما لا ضرورة في دفع سحر المتنبي لاستحالة ظهوره على يديه عقلا في مقام دعوى النبوة، وما لا يثبت إلا بالإعجاز)، وهو كما ترى؛ ضرورة تأثير السحر في أغلب المسحورين، وعدم ظهور السحر على يد الكاذب ممنوع، بل الممتنع ظهوره على يد الكاذب المعجزة دون السحر، على أنه يمكن أن يكون مستند الشهيدين ومن تبعهما في هذه المقالة الأخبار المتكثّرة الدالة على جواز ذلك وإن لم يكن في ذلك ضرورة.
وكيف كان فقد استدل من جوّز عمل السحر للحل والإبطال بعدة من الأخبار، منها أنه (دخل عيسى بن سيفي على أبي عبد الله (() وكان ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر، فقال :جعلت فداك إني رجل كانت صناعتي السحر، وكنت آخذ عليه الأجر، وكان معاشي، وقد حججت ومنّ الله عليّ بلقائك وقد تبت إلى الله تعالى، فهل لي في شيء من ذلك مخرج، فقال له أبو عبد الله ((): حلّ ولا تعقد)(1)، ومنها ما رواه الصدوق مرسلاً في العلل (إن توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد)(2)، ومنها المروي عن العيون وتفسير الإمام (() في قوله: عز وجل: [وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ](3)إلى آخره، أنه (كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموّهون فبعث الله – سبحانه عز وجل – ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد كيدهم، فتلقّاه النبي (()(4)عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله أن يقفوا به السحر وأن يبطلوه، ونهاهم عن أن يسحروا به)(5)، ومنها المروي عن العيون أيضاً (وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علّما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم)(6)، ومنها خبر العلاء عن محمد بن مسلم (سألته عن المرأة يُعمل لها السحر يحلّونه عنها ؟ قال: لا أرى بذلك بأساً)(7).
قال بعض أصحابنا المتأخرين (وهذه النصوص مع قصورها عما دل على الحرمة من وجوه محتمِلة للحل بغيره )(1)، أقول: كالمنقول من جملة كتب الفاضل وغيرها من جواز حله بالقرآن والذكر والأقسام ونحوها لا بشيء منه.
ومن هنا نسب إلى الفاضل وظاهر الأكثر المنع، فما في شرح القواعد من نسبة الجواز إلى كثير من الأصحاب مما لا وجه له.
وكيف كان فلعل المنع أقوى لإطلاق أدلته، وعدم قابلية هذه النصوص لتقييد تلك الإطلاقات، فلا بد من اطّراحها وعدم التعويل عليها، وأما حملها على الحل بغيره كما سمعت فلا تساعد عليه ظواهر النصوص المذكورة خصوصا خبر العيون(2).