احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص148
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على تحريم عمله، بل هو من الضروريات، فلو استحله مسلم قتل لصيرورته مرتداً بإنكار ضروري من ضروريات الدين إن كان إسلامه فطرياً بحيث لا تُقبل توبته، حيث انعقدت من مسلم نطفته، وبنيت على الإسلام فطرته، وغير الفطري إن تاب وعاد قتل في الثالثة أو الرابعة، ولو استحله كافر فلا قتل عليه، وظاهر الآية والأخبار كفر الساحر بفعله إن كان مسلما وإن لم يكن مستحلا، وحيث يتعذر العمل بظاهرها لمعلومية حصر أسباب الكفر في غيره، فالمراد المشاركة للكافر في الحكم، وهو وجوب القتل بمجرد فعل الساحر بسبب إظهاره ما لا ينبغي صدوره إلا من الله تعالى فأُطلق عليه اسم الكفر والشرك باعتبار المشاركة في الحكم، وهو وجوب القتل بمجرد الفعل، ونسب إلى الأكثر تقييد القتل بالاستحلال، ولعلهم يريدون مجرد الفعل، وإن أمكن حمل كلامهم على ذلك فلا كلام، وإلا فإن تم اجماع اتُّبع، وإلا فالأدلة مطلقة، واعتبار بعض الأصحاب الإصرار على العمل في وجوب القتل استظهارا لذلك من الأخبار كما ترى، ولعله استظهر ذلك من لفظ (مدمن) في الخبر المتقدم، وهو كما ترى.
وكيف كان فالذي يقوى في النظر قتل الساحر إن كان مسلما بمجرد فعله وإن لم يكن مستحلاً، بل وإن لم يصرَّ على فعله ويؤيده ما سيأتي في الكهانة؛ لظاهر قوله تعالى: [وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ](1)، ودعوى أن ذلك خاص بتلك الملة يرده أن ظاهر نقله في القرآن أن حكمه باق إلى الآن، وإطلاق الكفر على عامله يقتضي ثبوت حكمه له وهو وجوب القتل، هذا مضافاً إلى الأخبار المتكثّرة المارة، وإلى الأخبار الواردة في الكهانة، وتقييد وجوب القتل بالاستحلال لا يناسب عظمة ذنب الساحر، وإطلاق الكفر والشرك عليه؛ لأن ذلك حكم أكثر المعاصي الصغار فضلا عن الكبار.
ومن هنا ظهر لك ما في كلام بعض المتأخرين حيث يقول (وأما غير المستحل فقد يظهر من جماعة عدم القتل به خلافا لبعض، فجعله حدا له مطلقاً، ولعله لأطلاق الأدلة، ولا يخلو من توقف)(2)، وظاهر الأدلة المتقدمة أن فعله من المحرمات النفسية لا باعتبار ما يترتب عليه من الأحوال والغايات على نحو ما في المحرمات النفسية، فهو محرم وإن كان لبعض الأمور المباحة.
هذا كله في حكم عمله.
وأما تعلُّمه وتعليمه فالظاهر أنهما متلازمان حكما كما لا يخفى مع اتحاد الغاية المقصودة لهما، ولو اختلفت الغاية المقصودة كان لكلٍّ حكم ما قصد من الغاية.
وكيف كان فإن كان التعليم والتعلُّم لتحصيل مرتبة الفضل والتباعد عن حضيض الجهل، أو ليحذر الناس أو ليحذّر من عامله أو ليتجنب من أن يدخل في جملة فاعله، فالظاهر جوازهما وفاقا لجدي المرحوم في شرح القواعد(1)، وللفاضل المعاصر في الجواهر(2)، بل عن تفسير الرازي أنه اتفق المحققون على ذلك(3)، قال بعض المتأخرين: (بل ربما يجب حيث يتوقف الفرق بين المعجز والسحر عليه)(5)، وذلك لأصالة الإباحة ولأن العلم حسن في الذات داخل في عداد الكمالات، والكراهة والتحريم في بعض الصناعات من قبيل الحياكة والصياغة والحجامة ونحوها إنما هو باعتبار العمل، وإلا فعلمها خير من جهلها [هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ](6).