احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص143
خامسها: يجب رد الغيبة لظواهر الأخبار المتكثرة التي منها ما رواه أبو زرعة عن النبي ((): (من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة )(1)، ومثله ما روي عن الصادق (() في وصية النبي (() لعلي (()(2)، ومنها ما روي عن النبي ((): (من رد عن أخيه غيبة يسمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن هو لم يردَّها وهو قادر على ردها وأعجبه، كان عليه كوزر من اغتابه)(1)، ومنها ما روي عن الصادق (() عن النبي ((): (من تطوّل على أخيه في غيبة سمعها ردها عنه، رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن هو لم يردَّها وهو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتاب سبعين مرة)(2)، والظاهر أن زيادة الوزر في عدم الرد تنشأ من اجتراء المغتاب على غيبة المستغاب المذكور مع عدم الرد على غيبة غيره، أو يراد من عدم الرد الرضا بالغيبة فيزداد وزره لعدم اكتراثه بالدين ورضاه بانتهاك حرمة أخيه المؤمن كما يشعر بذلك قوله (وأعجبه)، كما أن الظاهر أن المراد من الرد غير النهي عن الغيبة، بل المراد منه دفع النقص الذي يعتري أخاه المؤمن، كأن يقول في ما لو كان المذكور عيبا دنيويا ليس العيب إلا ما عابه الله، وجل من لا عيب فيه، وإن كان عيبا دينيا يحمله على الصحة إن أمكن، ومع عدم الإمكان يقول: قد يبتلى المؤمن بالمعصية، فينبغي أن يستغفر له ويهتم له إلى غير ذلك مما يكون رادّا للغيبة ودافعا لنقصها المتعلق بأخيه المؤمن.
وربما ظهر من بعض الأصحاب كون الرد هو النهي عن الغيبة وفيه ما لا يخفى.
سادسها: الظاهر أن الغيبة تتضمن حق الناس فيتوقف دفعها على إسقاط المستغاب وإبرائه، أما الأول فلقوله ((): (من حق المؤمن على المؤمن ألا يغتابه)(3)، وإن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه وماله؛ ولأن الغيبة ظلم للمستغاب واجتراء عليه وهتك لحرمته، وأما الثاني فلاستصحاب بقاء ذلك الحق إلى أن يحصل الإسقاط والإبراء، وللخبر (إن الغيبة لا تُغفر حتى يَغفر صاحبها)(4)، ولقول النبي ((): (إن أحدكم ليدَعُ من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة، ويُقضى لـه وعـليـه)(5)، والنبـوي (مـن كانـت لأخـيه عنـده مظـلمة فـي عرض أو مال فليستحلَّها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، فيؤخذ من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته)(1)، والنبوي أيضاً (من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة إلا أن يغفر له صاحبه)(2)، وروى السكوني عن أبي عبد الله (() عن النبي ((): (إن كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته كما ذكرته)(3).
ولو جمع شرائط الحجّية أمكن جعل الاستغفار طريقا ثانياً للبراءة مع احتمال إرادة كون الاستغفار كفارة المذنب، نظير كفارة قتل الخطأ، اللهم إلا أن يُدّعى ظهور الخبر في كون الاستغفار مبرئ من دون إبراء وتحليل، وهو بعيد.
وربما جمع بعض الأصحاب بين الأخبار بحمل خبر الاستغفار على من لم تبلغه الغيبة، وحمل أخبار الاستبراء على من بلغته، وأُلحق بمن لم تبلغه من تعذر الوصول إليه لموته أو لبعده، وأيّد ذلك بأن الاستبراء مثير للضغائن والشحناء، وهو كما ترى، لأن خبر الاستغفار إن جمع شرائط الحجّية كان الاستغفار طريقا لرفع الغيبة مطلقا، وإن لم يكن جامعا لشرائط الحجّية لم يحصل ارتفاع الغيبة إلا بالتحليل والإبراء، وتعذّرُ الاستبراء وحصول المفسدة فيه لا يستلزم وجود مبرئ آخر، وروى السكوني أيضا عن أبي عبد الله (() قال: (قال رسول الله ((): من ظلم أحدا فغابه فليستغفر الله له؛ فإنه كفارة له)(4)، وهي مما تؤيد الخبر السابق، فجعْلُه طريقا آخر مما لا بأس به.