احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص141
وكيف كان، فحيث كان المستفاد من الأخبار أن حرمة الغيبة إنما هي لانتقاص المؤمن وأذيته، فإذا فرض وجود مصلحة للغيبة تعود للمستغيب أو للمستغاب أو إلى ثالث من المؤمنين قد دل العقل أو النقل على كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك غيبته وجب اتباع أقوى المصلحتين كما هو القانون في كل معصية من حقوق الله أو من حقوق الناس.
قال في محكي جامع المقاصد (إن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يُقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكّه به أو إضحاك الناس منه، وأما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم)(2)، وقال في محكي كشف الريبة (إعلم أن المرخَّص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح (في الشرع) لا يمكن التوصل إليه إلا بها)(3)، فإذا كان كذلك فالمستثنيات لا تنحصر في عدد ولا تنتهي إلى حد بل هي موكولة إلى نظر الفقيه في ترجيح المصلحة كما لا يخفى.
رابعها: في استماع الغيبة، وهو محرم باتفاق أصحابنا، والأخبار بذلك مستفيضة منها ما روي عن النبي ((): (المستمع أحد المغتابين)(4)، ومنها ما روي عن علي ((): (السامع للغيبة أحد المغتابين)(1)، والمراد من السامع: المستمع لعدم تصور الحرمة في السامع اتفاقاً.
ومنها ما روي عن الصادق (() عن آبائه (() عن أمير المؤمنين (() قال: (نهى رسول الله (() عن الغيبة والاستماع إليها)(2)، إلى غير ذلك من الأخبار المعتضدة بالإجماع المحصَّل فضلا عن المنقول نقلا مستفيضا كاد أن يكون متواترا، بل ربما دل الخبران المتقدمان على كونه من الكبائر لاقتضائهما كون المستمع مغتابا والغيبة من الكبائر كما عرفت.
نعم، قال بعض المعاصرين: إلا أن ما يدل على كونه من الكبائر كالرواية المذكورة ونحوها ضعيفة السند(3)، انتهى.
وقد عرفت اعتضادها بما سمعت، فلا وجه للطعن في سندها بعده.
وكيف كان فالحكم مما لا كلام فيه، وإنما يقع البحث هنا في أشياء:
أحدها: الظاهر جواز استماع الغيبة للرد على المستغيب فيما لو توقف الرد على الاستماع، لأن المفسدة في ترك الرد أعظم من المفسدة في استماع الغيبة.
ولو لم يتوقف الرد على الاستماع فالظاهر عدم جوازه.