پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص134

إلى أن قال: والإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه)(3)، ومفهوم قوله ((): (من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروّته وظهرت عدالته، ووجبت أخوّته، وحرمت غيبته)(4)، وفي خبر ابن أبي يعفور (والدليل على ذلك أن يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته)(5)، ومفهوم رواية علقمة (من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما هو فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى، وداخل في ولاية الشيطان)(6)، ومقتضى إطلاق الأخبار جواز اغتيابه وإن لم يقصد بذلك ردعه عن المنكر، ولم نعثر على من اعتبر ذلك في جواز اغتيابه.

نعم، اعتبر ذلك بعض أصحابنا في جواز سبّه مع اعترافه بأن ظاهر النص والفتوى عدم اعتباره.

وهل يجوز اغتيابه في غير ما تجاهر به مطلقا أو لا يجوز مطلقاً؟، أو يفصّل بين ما كان دون ما تجاهر به في القبح فيجوز، وبين ما يكون فوقه في القبح فلا يجوز؟ وجوه بل أقوال، ينظر الأول منها إلى إسقاط حرمته ونفي غيبته مطلقا في الأخبار المتقدمة ومفهوم صحيحة ابن أبي يعفور وسابقتها ولاحقتها، وينظر الثاني إلى الاقتصار على القدر المتيقَّن في ما خالف أدلة التحريم، وإن حرمته إنما سقطت في ما تجاهر به دون غيره، وينظر ثالثها إلى أن حرمة الغيبة إنما نشأت من هتك عرض المؤمن، وهو إنما يحصل في ما زاد على ما تجاهر به قبحا دون ما نقص عنه، فمن تجاهر باللواط جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب، ومن تجاهر بقطع الطريق جاز اغتيابه بالسرقة، وعلى ذلك القياس.

والمراد من المتجاهر من تجاهر بعنوان أنه فسق أو معصية، فلو تجاهر به بعنوان أنه طاعة كان من أعمال الظلمة، ولكن يدّعي أن الباعث على ذلك التقية أو حفظ نفوس بعض المؤمنين وغير ذلك من الأمور المسوّغة لذلك، فالظاهر أنه ليس من المتجاهر، اللهم إلا أن يُعلم أن عذره واضح الفساد، فالظاهر كونه من المتجاهر حينئذ، ولو تجاهر في الفسق في زمان دون آخر أو في بلدة دون أخرى فالظاهر لزوم الاقتصار على غيبته في الزمان والمكان الذين تجاهر بهما؛ لأن الظاهر من الأدلة أن جواز غيبة المتجاهر من حيث عدم اكتراثه بنسبة ذلك إليه، وحكاية ذلك عنه لتجاهره به، وحيث يكون المدار على ذلك يلزم الاقتصار على ما ذكرناه.

ولقائل أن يقول بالجواز مطلقا استنادا إلى إطلاق الأدلة، ولكن الاحتياط لا يخفى، خصوصا بعد أن كان الأصل في المؤمن الاحترام مطلقا، فيلزم المؤمن الاقتصار على المتيقَّن في ما خالف الأصل، وحكى بعض المعاصرين عن بعض الأصحاب القول بجواز غيبة الفاسق مطلقا، متجاهرا أو لا استناداً إلى قوله ((): (لا غيبة لفاسق)(1)، وهو كما ترى، فلا بد إما من حمله على الفاسق المتجاهر أو على(2) كان بعيداً.