احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص127
والظاهر أن ذلك كناية عن كون المذكور سوءاً، وعليه تتفق كلمات أهل اللغة، وإلا فإرادة الكراهة الفعلية والغم الفعلي لو سمع مما لا وجه له؛ ضرورة صدق الغيبة على ذكر معايب من لا يبالي فلا يغتم من شيء ولا يكره شيئاً، اللهم إلا أن يريد ما من شأنه أن يكرهه ويغتمّ منه، فيعود إلى كون المذكور سوءاً، ومن هنا يُعلم ألا مدار على الكراهة لو لم يكن المذكور سوءا كما لو كره شخص أن يقال في حقه عالم أو جواد، فإن ذلك ليس من الغيبة وإن شاركها في الحكم في بعض المقامات كما لو استلزم أذية المؤمن.
وكيف كان فالمراد مما يكره ما يكره إظهاره سواء كره وجوده كالبرص والجذام أو لا كالميل إلى القبائح.
ولو أريد مما يكره ما يكره وجوده، يشكل الحال في خروج بعض أفراد الغيبة عنها، فإن ذكر من يحب الزنا في الواقع بذلك غيبة قطعا مع أنها تخرج عن الموضوع، وذلك مما لا يساعد عليه كلام أهل اللغة ولا العرف؛ ولهذا ترى أن صاحب الصحاح قال: (ما يغمه لو سمعه) وهو صريح في كراهة الإظهار دون كراهة الوجود.
ويستفاد من ظاهر كلام اللغويين ومن قضية العرف اعتبار قصد الانتقاص في مفهوم الغيبة، الا ترى قول صاحب القاموس (غابه: عابه) بل عن رسالة ثاني الشهيدين إن في الاصطلاح تعريفين:
أحدهما: مشهور، وهو ذكر الانسان حال غَيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم(1)، فأَخذ قصد الانتقاص والذم في تعريفها.
وعلى هذا فيخرج منها موضوعا ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في نفس أو عرض أو مال، وكذا الذم للتقية على الذام، وكذا الهزل والمزح ونحوهما لعدم قصد الانتقاص في جميع ذلك، ولعله من الأول ما وقع منهم (() من المطعن في زرارة والهشامين.
وكيف كان على ما ذكر يخرج عن الغيبة موضوعا كل ما لا يقصد به انتقاص المستغاب.