احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص125
أحدها: بيان موضوعها، قال في محكي القاموس (غابه: عابه وذكره بما فيه من السوء)(1)، وفي محكي المصباح المنير (إغتابه إذا ذكره بما يكره من العيوب، وهو حق)(2)، وقال في محكي الصحاح (هي أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فإن كان صدقا يسمى غيبة، وإن كان كذبا يسمى بهتاناً)(3)، ومثله ما عن مجمع البحرين(4) حرفا بحرف وفي محكي نهاية ابن الأثير (أن يذكر الإنسان في غَيبته بسوء إن كان فيه)(5).
هذا تعريفها في كلام أهل اللغة، وأما تعريفها في الأخبار، فقال في محكي جامع المقاصد وحدّها على ما في الأخبار: أن يقول في أخيه ما يكرهه لو سمعه(6)، وفي المروي عن مكارم الأخلاق (قلت: يا رسول الله (()، فإن كان فيه ذلك الذي يكره، قال: إعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإن ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه)(7).
أقول: المستفاد من كلام أهل اللغة أن الغيبة من مقولة الألفاظ، وهو المتبادر من إطلاقها عرفا؛ لأنها قد عُرّفت في كلام أهل اللغة وفي الأخبار بالذكر والتكلم والقول، ولاشك أن المنساق من الذكرِ الذكرُ اللفظي، فكل ما لا يكون من مقولة الألفاظ كالإشارة والكتابة وحكاية الأفعال فليس من الغيبة موضوعا وإن كان منها حكما، بل أعظم منها تحريماً، فإنّ ما يقصد به التهكّم والتفكّه والسخرية والاستهزاء وإضحاك الناس من الإشارة وحكاية الأفعال أعظم من الغيبة تحريما، ولكنه ليس منها موضوعا، لغةً وعرفاً، وإطلاق الغيبة على إشارة عائشة بيدها للمرأة القصيرة في الحديث النبوي من المجاز(8).
نعم لا فرق في اللفظ بين ما يدل على المكروه صريحا وبين ما يدل عليه كناية وتعريضاً، ولو سلّمنا صدق الغيبة مع إشارة الأخرس أو مع مطلق الإشارة أو مع الكتابة فلا نسلم صدقها مع التحاكي بالأفعال، ولعل من ألحقها بالغيبة أراد الإلحاق الحكمي لا الاسمي و لا ريب فيه، قال في جامع المقاصد (وفي حكم القول الإشارة باليد وغيرها (من الجوارح أو) من التحاكي بفعله أو قوله كمشية الأعرج)(1)، ومن هنا يظهر لك ما في كلام بعض من عاصرناه من المتأخرين حيث قال: وفي رسالة ثاني الشهيدين أنّ في الاصطلاح لها تعريفين :
أحدهما: مشهور، وهو ذكر الإنسان حال غَيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم.
والثاني: التنبيه على ما يكره نسبته إليه، قال: وهو أعم من الأول لشمول اللسان والإشارة والحكاية وغيرها، وهو أولى لما سيأتي من عدم قصر الغيبة على اللسان.