احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص116
نعم يمكن دعوى كون الهجاء متحد المعنى عرفاً؛ لصيرورته حقيقة عرفية في خصوص الذم بالشعر، كما أنه يمكن منع دعوى إرادة صاحب الصحاح(1) التعريف حتى يتجه الكلام السابق، وإنما غرضه إيكاله إلى العرف، والمفروض أنه في العرف الذم بالشعر، فيكون لغة وعرفا متحد المعنى، وهو الذم بالشعر.
وكيف كان فمن العجيب ما حكاه بعض من تأخر من أصحابنا عن جامع المقاصد من أن الهجاء هو ما ذكر في الإنسان من المعايب بالشعر(2)؛ لأن ذلك لا يساعده عليه كلام أهل اللغة و لا العرف فتبصّر.
وكيف كان فإن قلنا: إن الهجاء هو ذم الإنسان بما هو فيه من المعايب بالشعر، فإن جعلنا الغيبة ذكر الإنسان بما هو فيه أيضا كان بينهما عموم وخصوص مطلق، والعموم في جانب الغيبة، وإن عممناه لما هو فيه ولغيره في الشعر وعممنا الغيبة كذلك كان أيضا بينهما عموم وخصوص مطلق، والعموم في جانب الغيبة، وإن خصصنا الغيبة بما فيه، وعممنا الهجاء وخصصناه في الشعر كان بينهما عموم وخصوص من وجه، وإن عممناه للشعر والنثر، لما هو فيه ولغيره كانا متساويين.
وكيف كان فإفراده بالبحث عن الغيبة؛ لأنه أشد تحريما لدوامه وحفظه واستمراره، ويدل على تحريم ذم المؤمن نثراً أو نظماً بما هو فيه وبغيره ما دل على حرمة إيذاء المؤمن وظلمه وهتك حرمته وإدخال النقص عليه ومحبة شياع الفاحشة فيه واغتيابه والغمز عليه، وعلى أن ماله ودمه وعرضه محرمة، ويدل على حرمة هجائه بالخصوص الإجماع المنقول عن المنتهى وكشف اللثام(1)، ونفي الخلاف عن التذكرة(2).
ولا فرق في حرمة الهجاء بين عدول المسلمين وفسّاقهم المتجاهرين وغيرهم؛ لعموم الكتاب والسنة والإجماع.
وعن الشهيد في حواشي القواعد جواز هجاء الفاسق المتظاهر، وربما استند إلى قوله ((): (محّصوا ذنوبكم بغيبة الفاسقين)(3)، قال بعض أصحابنا (وفيه أنه قد يُفرّق بين الهجاء والغيبة ببنائه على الدوام والاستمرار دونها، فالإذن فيها لا يقتضي الإذن فيه)، أقول: إن أراد (أن)(4) بناءه على الدوام والاستمرار أخرجه عن موضوع الغيبة وصيّره قسيما لها لاعتبار عدم الاستمرار والدوام في الغيبة فهو ممنوع، وإن أراد أنه وإن كان منها لا يدل الحديث على جوازه فهو كما ترى.
