احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص115
نعم حكم ذلك تعارض الإطلاق والتقييد في الأخبار، والفرق بينه وبين المقام واضح؛ لأن حمل المطلق على المقيد فرع كون المطلق غير نافٍل لقيد، وذلك إنما يكون في مقام الحكم، وأما في مقام التعريف فالظاهر أن المطلق مقيد بالعدم، ومع ذلك كيف يكون مطلقاً؛ لأن من يقول في مقام التعريف أن الهجاء خلاف المدح يريد أنه هذا لا غير، فكيف يكون مطلقاً.
فإن قلت: إنكم قد قلتم إن من اقتصر من أهل اللغة على المعنى الواحد للفظ لا يكون نافيا لما عداه فلا يعارض من ذكر معنيين أو أكثر لاحتمال عدم اطلاعه على غير ذلك المعنى، فلعل المطلِق لم يطّلع على القيد فلا يكون نافياً له، فلا يعارض من قيّد.
قلت: ذلك في تعداد المعاني مسلّم؛ لأن كلامهم بذكر ما اطلع عليه من المعاني ولا ينفي ما عداه.
وأما في بيان المعنى فالظاهر أن كل من تعرض له ذكر تمام معناه، فيكون المطلِق نافيا للقيد والمقيِّد مثبتا له، وليس ذلك من تعارض النافي والمثبت؛ لأن النافي يدّعي أن المطلق تمام المعنى، فهو مثبت أيضاً، فلا يُقدّم قول المقيِّد من حيث النفي والإثبات.
فإن قلت: إن تعبير أهل اللغة بالأعم كثير غالب، فيكون ذكر الأخص قرينة على إرادته من الأعم، وهذا معنى حمل المطلق على المقيد في كلام أهل اللغة.
قلت: كما أن التعبير بالأعم غالب كثير، كذلك التعبير بالأخص كثير غالب في كلامهم، فلِمَ لا تَجعل ذكر الأعم قرينة على إرادته من الأخص، فترجيح أحدهما على الآخر من غير مرجّح.
على أنّا نقول أن مبنى حمل المطلق على المقيد فَهمُ العرف، وذلك إنما يكون في كلام المتكلم الواحد أو ما هو بحكمه، من قبيل كلام الله ورسوله والأئمة (() لاطلاع كل واحد منهم على كلام الآخر وبيانه.
والحاصل أنه يدور مدار الحكم الواحد والمراد الواحد، وأما في مثل كلام المصنفين والمؤلفين المتعددين فهو من الأوهام الغريبة، بل ربما نمنع ذلك في كلام المصنف الواحد، ولا نحمل المطلق فيه على المقيد، بل نجعل الثاني عدولاً عن الأول.
على أن مبنى التقييد العلم باتحاد التكليف، ومع إمكان كونهما تكليفين لا وجه للتقييد.
والمفروض هنا احتمال الوضع للمطلق والمقيد قائم، بل ظاهر كلام الناقلين ذلك، فحمل إطلاق كلام أحدهما على الآخر مما لا وجه له، فمقتضى ما ذكرناه وقررناه الحكم بكونهما معاً معينين؛ لأنهما ناقلان عن الوضع و لا معارض لشيء منهما.