احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص114
ومن هنا يظهر لك ما في كلام بعض الأصحاب حيث استظهر من الأصحاب كون المراد بكتب الضلال ما كان كلها ضلالاً حتى ادّعى الاجماع على ذلك، قال: (والحق أن إفراد الحق عن الضلال غير مستحسن وليس من عادة الأصحاب)، وقال آخر (وهو الذي تقتضيه حقيقة اللفظ من دون تجوّز وهو معقد الإجماع ومصب الفتاوى)(2)، فإن أوّلوا حكاية الإجماع على وجوب إتلاف ما كان كله ضلالاً فمسلّم، ولا ينافي وجوب إتلاف البعض الضلالي في ما كان بعضها ضلالاً، وإن أرادا حكاية الإجماع على عدم وجوب إتلاف البعض الضلالي فممنوع؛ لأن الوجوب ظاهرُ جمعٍ وصريحُ آخرين كما لا يخفى على المتتبّع.
ومن جملة الضلال الذي يجب محوه وإتلافه على ما ذهبنا إليه- لو لم تكن ضرورة المذهب على خلافه فلا يوجب ضلالاً- كلام صاحب الحدائق في المسألة حيث افترى على الأصحاب بأنهم اتبعوا الشافعي في تدوين علم الأصول استحساناً وطوّل في ذلك غاية التطويل، وملأ الصحف من الأباطيل، ومن أراد الوقوف على
كلامه فليراجع كتاب الحدائق في المقام، فإن له فيها كلاماً تمجّه الأسماع، ولا تقبله الطباع(1).
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن التوراة والإنجيل ليسا من كتب الضلال سواء قلنا بتحريفهما أم لا؛ لأنهما لا يسببان ضلالاً بعد بداهة نسخهما، كما أن غالب كتب المخالفين وأهل الملل الفاسدة خارجة عن كتب الضلال في هذه الأوقات؛ باعتبار ما وقع من جملة أصحابنا من نقضها وفسادها، فلا تسبب ضلالاً بعدُ بل هي كالتالفة.
ومما ذكرناه يعلم حال كتب الفقهاء والمحدّثين واللغويين والمفسرين من المخالفين، فإن كل ما كان موجبا للضلال بالفعل أو بالقوة يجب محوه وإتلافه، وما لا يكون كذلك لا يجب، بل لا يجوز إذا كانت فيه منفعة محللة مقصودة، بل لا يجوز وإن لم تكن؛ لأنه من الأموال وإن لم يكن.
وكيف كان فلا يجوز إمساك الكتب المذكورة إلا للنقض عليها؛ لأنه أعظم نفعاً من الإتلاف؛ لأن إتلاف بعض آحادها لا يقضي برفع فسادها؛ ولأن إتلاف كلها إنما يحصل بإبطالها من أصلها، ولأن الجهاد بالأقلام أعظم نفعاً من الجهاد بالسهام، وحيث كان غرض الشارع فيها الإبطال كان الأقوى في حصوله الرد بطرق الاستدلال، ولا يجوز إمساكها لغير ما ذكر؛ لأن المستفاد من الأدلة الشرعية وجوب إتلافها فوراً، وعدم جواز إبقائها آناً واحداً، فما دل الدليل على الإمساك والإبقاء له حكمنا به، وفي ما عداه فيرجع إلى القانون الشرعي.
هجاء المؤمنين
ومن جملة ما يحرم التكسب به هجاء المؤمنين، وهو مشترك لفظي بين الذم في الشعر والنثر وبين الذم في(2) فعن الصحاح (الهجاء خلاف المدح)(3)، وهو عام للشعر وغيره، وعن ظاهر القاموس والنهاية والمصباح(1)، اختصاصه بالشعر، ودعوى أنه متحد المعنى، وهو الذم بالشعر خاصة لحمل المطلق على المقيد في كلام أهل اللغة وهمٌ صرف.