پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص113

لا سبيل إلى إرادة الأول؛ لأصالة جواز الإمساك وأصالة براءة الذمة من وجوب الإتلاف؛ ولأن القدر المتيقَن من معقد نفي الخلاف ما كان موجبا للضلال بالفعل أو بالقوة، و لا أقل من الشك في شمول معقد نفي الخلاف لغيره، فيبقى على عموم حكم الأصل، خصوصا بعد الإلتفات إلى قوله (()في خبر تحف العقول (وكل منهيَ عنه في ما يُتقرَب به لغير الله ويقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرَم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه)(1)، إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك، وقوله (() في الخبر المذكور: (إنما حرَم الله الصناعة التي هي حرام كلها، التي يجيء منها الفساد محضاً)(2)، وقوله فيه: (وما يكون منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح فحرام)(3)، ولا شك أن ما يكون باطلا في نفسه لا يقوَي الكفر والشرك ولا يوهن الحق، ولا يجيء منه الفساد محضا كما هو المفروض، بل ما نشاهده من السيرة القطعية من العلماء من استعمال مقامات الحريري والكتاب المعروف بكليلة ودمنة مما يمنع من إرادة هذا المعنى؛ لأنها من الأباطيل الصرف كما لا يخفى على من مارسها.

والحاصل أن ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يجب إتلافه؛ لأنه من الأشياء المتموَلة التي تقابل بالمال، بل لا يجوز إتلافه لذلك.

وما في بعض كتب أصحابنا من أنه لا يدخل تحت الأموال فلا يقابل بالمال لعدم المنفعة المحللة المقصودة، فيه مضافا إلى آيتي لهو الحديث وقول الزور(4) فيه ما لا يخفى؛ لأن الانتفاع به قد يكون بالانتقال من الباطل إلى مطلب صحيح، وبعد فرض جواز إمساكه وعدم وجوب إتلاف منافعه لا تحصى وكلها منافع مقصودة محللة(5).

وأما الاستناد إلى الآيتين فقد عرفت أنهما مفسَرتين بالغناء في صحيح الأخبار، فلا وجه للاستدلال بهما بعدُ، كما لا سبيل لإرادة المعنى الثاني؛ لأن ما وضع للضلال قد يكون مسببا للهدى، فلا وجه للقول بوجوب إتلافه وحرمة حفظه، مضافا إلى ما عرفت من أن ظاهر الأدلة لا يقتضيه، والحكم على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على القدر المتيقن، فليس إلا إرادة المعنى الثالث، وهو ما كان مسببا للضلال وموجبا له، إما بالفعل أو بالقوة، سواء كان موضوعا للضلال أم لا، بل يدخل في ذلك ما كان موضوعا للحق كبعض الكتب التي ظواهرها منكرة، ويدَعون أن المراد منها غير ظاهرها كبعض كتب العرفاء والحكماء والمتصوفة والكشفية.

ولعل ما ذكرناه هو مراد جدي (() في شرح القواعد حيث يقول: (بل المراد والله أعلم (أن الكتب) التي وضعت للاستدلال على تقوية الضلال يجب إتلافها فضلا عن غيره من نُسَخ وغيره) لقوله بعد ذلك (سواء تقوت بها كلمة الكفر الإسلامي أو الإيماني أو خلاف الشرعي الفرعي الثابت بالدليل القطعي)(1)، لظهور العبارة المذكورة في ما كانت سببا للقوة كما لا يخفى على المنصف المتأمل.

ولا فرق بعد الاطلاع على الأدلة المذكورة بين ما كان كله ضلالاً أو بعضه، فيجب إتلاف البعض الضلالي، حتى لو توقف إتلافه على إتلاف الكل وجب و لا ضمان.