احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص112
وفيه ما لا يخفى من أن ظاهر الأدلة وجوب إتلافها وعدم جواز إبقائها كما عرفت نظير ذلك في هياكل العبادة المبتدعة حتى صار ذلك أصلاً، فكل مقام دل الدليل فيه على جواز الإبقاء لمصلحة حكمنا به كمصلحة النقض، وكل مقام لم يدل دليل فيه على جواز الإبقاء لم نحكم به وإن كانت هناك مصلحة، هذا مضافا إلى إطلاق عنوان نفي الخلاف كما اعترف به.
ودعوى – أن الأصل جواز الإبقاء والإمساك وبراءة الذمة من وجوب الإتلاف والقدر المتيقَن من الأدلة ما لا مصلحة فيه مما يترتب عليه مفسدة الضلالة – رجوعٌ إلى القهقرى، ضرورة انقطاع ذلك الأصل بظاهر الأدلة الدالة على وجوب الإتلاف وصيرورة وجوب الإتلاف أصلا جديدا فتبصَر.
ثم لا يخفى أن وجوب إتلافها كفائي لا يختص بالمالك، ولا يتوقف على إذنه، فإن لم يكن عزل الضلال منها ممكنا أتلف الجميع ولا ضمان، وإن أمكن عزله اكتفى بعزله، ولو أتلفه فسرى التلف إلى غيره في صورة إمكان إتلافه وحده فالظاهر الضمان، وهل يجب على المتلف مراعاة الأقرب فالأقرب إلى بقاء المادة أو لا، بل هو مخير ؟ وجهان أوجههما الثاني.
قال جدي (() في شرح القواعد (وكذا كل كتاب اشتمل على قدح بمؤمن أو أذية لمسلم)(1)، يعني يكون حكمه حكم كتب الضلال في وجوب الإتلاف، وهو لا يخلو من وجه.
وكيف كان فلا بد من بيان المراد بكتب الضلال في لسان الأصحاب، فأقول وبالله المستعان وعليه التكلان.
بيان معنى كتب الضلال
صرح غير واحد من أهل اللغة بأن الضلال يكون بمعنى الباطل، والظاهر أن منه قوله تعالى: [فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ](2)، وعلى ذلك تكون الإضافة بيانية أي: كتب هي الضلال أي الباطل، والمراد من الباطل ما كان باطلا في نفسه أي: بمعنى (في) أي كتب في الضلال أي: الباطل، والمرادُ من الكتاب المكتوبُ.
وصرح غير واحد من أهل اللغة بأن الضلال ضد الهدى والرشاد، ومنه قوله تعالى [وَلاَ الضَّالِّينَ](3)، فتكون الإضافة بمعنى اللام، ويحتمل حينئذ معنيان :
أحدهما: إن المراد بكتب الضلال الكتب التي وضعت للضلال وإن لم تسببه.
وثانيهما: الكتب التي توجب الضلال وتسببه وإن لم تكن وضعت له، وتكون الإضافة من إضافة السبب إلى المسبب.